س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
|
أدوات الموضوع |
28/09/2007 | #1 | ||||||
مشرف
|
كل يوم .. قصة سورية
كل يوم رح ننزل قصة ... لكاتب سوري ..
بزحمة الوقت اكيد فينا نخصص عشر دقايق باليوم لنقرا قصة .. بس بدي ادعوكم " لنتشارك : يعني يا ريت كل يوم حدا يتبرع وينزللنا قصة " وما يضل الموضوع على عاتقي بس .. بس في كام شرط صغار : 1) القصة تكون حصرا ً لكاتب سوري 2) ما تكون مكررة بالقسم او بالموضوع 3) قصة وحدة بس باليوم
انك " فقير إلى الآخر " كما هو فقير إليك " وأنك محتاج إلى الآخر ، كما هو محتاج إليك
الأب جورج
- ابو شريك هاي الروابط الي
بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف
الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة
سوريا -
- ابو شريك هاي الروابط الي
بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف
الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة
سوريا -
- ابو شريك هاي الروابط الي
بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف
الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة
سوريا -
|
||||||
28/09/2007 | #2 | ||||||
مشرف
|
ألف باء الحب ابتسام تريسي تتوجع كفراشة أحرقها الضوء فتكومت فوق رمادها .يحتضر أمسي القريب على أعتاب الذاكرة ، ألهث محاولة تمزيق شرنقة عبيرك المحيطة بقلبي ، أنجح أحيانا في مدّ رأسي المتعب من خلل خيوطها القاسية ، وتغلق منافذ الهواء غالبا في وجهي ، فيسرع القلب بالارتماء في أحضان الحلم .. تربكني ثوانيك ، فأتعثر بمشاعري المتناقضة ما بين مد وجزر .. يسحبني الطريق الذي تتناهبه عجلات السيارة لتصور أيامي القادمة في الخليج ، سويعات مرّت على ارتعاش صوتك واحتضاره عبر سماعة الهاتف وأنت تتلقى قراري بالسفر (( جاءني عقد عمل ، أظنه سيكون حلا مناسبا لأزماتي كلها ))لم تقل شيئا .. فحيح .. تنهيدة مرة ، وصمت بغيض في سماعة صماء صمتك ذاك جعلني أتردد ، ( هل أرمي أوراقي وقراري وراء ظهري وأعود إليك معتذرة ككل مرّة ؟ ) سئمت مراوحتي بين كره وحب ، سئمت تمزقي بينك وبين الحلم ... إلى متى يسلبني الحلم إرادتي ويتخذ عني القرار ؟ إلى متى أطير وراء فراشه الملوّن متعثرة بأمنياتي المستحيلة ! قلت لي : (( أحبك صدقيني )) أكان يجب أن أعيش معك جسدا باردا يتحرك بآلية الحلم وسيطرة رجل يقطن الذاكرة لتفهم أن ّ الحب ما أريده ؟ أتحتاج هذه الكلمة الصغيرة إلى زمن من المدّ والجزر لتكتشف سحرها ؟ أم أنك وعيت اللعبة التي تدور حولها عواطفي الذبيحة أخيرا ؟ أشكّ بحبّ احتاج لسنوات من الخطبة ليفصح عن وجوده بمنتهى العقل والحياد ! تمتد ّ نظراتي عبر الأفق الممتد بين غابات حمص ، والهواء الرطب الثقيل الممزوج بضباب خانق .. يتسرب صوتها هامسا من مسجل السيارة :حيرى أنا يا أنا والعين شاردة ٌ أبكي وأضحك في سري بلا سبب الضحك يتغلغل في مسامات الجلد الباردة .. البكاء يغسل بدمع ٍ ساخن قلبا ً لم أعد أستطيع السيطرة على نبضه .. انفصل عني بإيقاعه المضطرب ، وانضم ّ لقافلة التمرد والمشاكسة . همهمات ، مؤامرات .. تحطم ، وارتطامات ، وأشياء تتكسر في أعماقي .. ووجهه لا يزال ملتصقا بأنفاسي ، هل يمكن بعد هذا .. أن أحبك ؟الطريق إلى دمشق ممل ، طويل ، ينتحب تحت عجلات السيارة ، يئن شاكيا ، يتجاوب مع نحيب أحلامي .. سويعات مرّت على لهاث أنفاسك عبر سماعة الهاتف في أذني .. أمدّ يدا مرتعشة ، أتحسسها ، لا زالت تنبض .. تمضغني الدهشة بقسوة .. لازال وجهه ينفر ساخنا عبر مسامات وجهي ، يحتلّ ملامحي ، فأبدو مضحكة في مرآة نفسي .. ! إلى متى يحتلني الآخر مستبيحا إحساسي بالأمن معك ؟ إلى متى يجتاح شواطئي بقسوة قرصان ولدته موجة عاتية من التحامها بغيب مجهول ، يتسلل إلى فراشي ، يعبث بأشيائي ، يقبع في تفاصيل يومي منذ استيقاظ الشوق في ضلوعي إليه ، حتى ارتمائي في موج النوم القلق في ظلّ ذكرياتي معه ، ينتقي ملابسي بذوقه المتطرف ، يمدّ يده لانتقاء طعامي المناسب لمعدته ، يتأمل هيئتي في مرآته قبل خروجي إلى العمل ، يصاحب الخطوة المتخاذلة بنظرته الصارمة ، يبرز من المرآة (( لا أريدك أن تضعي كحلا في عينيك المتوحشتين ليراه غيري ، اتركي شفتيك بدون أصبغة ، أحبّ أن أراك لي .. لي فقط بتلك الرائحة المثيرة تفوحين ياسمينا وحبقا )) في الطريق أجده ملاصقا لخطواتي ، يرتفع صوتي محدّثا طيفه ، يلتفت المارّة إليّ بذهول ! و تسألني باستغراب : ـ ماذا تعنين بسؤالك أنا لم أقل ذلك ؟ أشهق ، وانتبه إلى شفتي ّ تحدثانه . ! |
||||||
28/09/2007 | #3 | ||||||
مشرف
|
لم أبدأ بمعرفته مبكرا ، كنت على وشك أن أتخطى عتبة الجامعة حين اهتز قلبي واقعا بين قدمي ، لمروره بقربي تاركا رائحة عطر خفيف سكنت خلايا أنفي .
حين دخلت قاعة المحاضرات رأيته يجلس أمامي محتضنا غموضه وحفنة ياسمين ، تجاهلت ابتسامته المغرية بحوار ثقافي حار .. وأنا أنحدر باتجاه كلية الهندسة ، صدمتني نظراته ، فتكسرت ضلوع الروح ، وغادرني تحفظي ، انهلت بالشتائم على الساعة التي تعثرت فيها بدرجات الكلية المهشمة ، فوقعت كتبي بين يديه . ضمتنا صالة معاوية ذات ليلة ، كان المسرح يضجّ بالحركة والحماس ، يتدفق حارّا متوهجا ، وهو بجانبي كتلة لا مبالاة مستفزة . كنّا نلهث وراء سطر شعري في أمسية دافئة ، نزار يتألق قمرا على شرفة ، وهو يحتضن سواده وينزوي داخلي بهمس مبهم ! انخلع كعب حذائي ، وعدت إلى البيت عرجاء الروح وهو غارق في ضحك مستهزئ . حين دخلت ا لفصول الماطرة ، تلبست رغباته جلدي رداء من نار الرعشة والتوق ، دخلت أفقا غريبا ، اقتحمتني أناشيد فجر يتسول دموعي وألقي ، عندما فكرت ذات لحظة أن أمتطي مراكبه مبتعدة إلى جزيرة نائية يرتجف شذاها ، فتمطر صحوا ، قلت : هنا نهاية مطافي . بعد بعده الأخير ، نظر إلي ّ ، قلب شفتيه : لقد انتهت صلاحيتها . ! ابتعد ، فازددت التصاقا بترابه . تجسد أمامي بعريه ، غامت الرؤية أمام عيني ّ فلجأت إلى معطفه البارد أستثير دفئه .. لم أكن بحاجة لفكر يخرجني من لحظة البوح الأبدية ، لم أكن بحاجة لإنارة داخلي ، هناك حيث الوجع يقيم محتلا أنفاسي ، هناك حيث الوجع يرتعش على مخدتي ، هناك حيث كان واحدا فصار ألفا ، غامضا ، متقلبا ، متلونا كحرباء ! أتهجأ حروفه من جديد .. .. تضحك عيناه رامقة ً ذعري من عاصفة قادمة...... تتدحرج صلابتي وتستقرّ عند قدميه . مذ كنا على عتبة أول حرف ، حذرتني نظراته : ( إياكِ والتوغل في حزني ) عشقت ذلك الحزن وظننته الرابط بين وحدتي وحصاره ، لكنه انكمش مبتعدا عن وهجي ! قبل أن أتجاوز الثلاثين ، كنت أنظر إليه كتموز عائد من دورة الأبدية ، بعد أن أحبّ زميلتي .. صرت أركض وراء سرابه في الرجال الذين أعرفهم ، ولا أقبض إلا على الوهم ..! حتى حين التقيتك أيها الوهم الأكبر في حياتي ، وقبضت على مائك بأصابعي ، هزّني شيء عنيف ساخرا : ـ لن تستطيعي أن تعشقي شخصا غيري ... في مواجهة عنيفة مع الريح ، كشفت صدري لاجتياحها ، وتخليت عن مراوحتي في زمنه المر ، وتجاوزت نفسي بقرار لا عودة فيه ،(( سأتزوج )) . حين رأيت الزهور تملأ الصالة وأنت بجانبي ، انهار تماسكي ، وصرخت الشرايين (( لن تعشقي غيره )). يشبك الياسمين عقدا ً حول عنقي ، يشبك أصابعه قيدا ً حول معصمي ، تشبك رغباته القلب وتعصره بقسوة . في محاولة للالتفاف على مشاعري ، هادنت زمني ، ورضيت لجسدي دورا غبيا ، أصبحت خطيبة شخص ، وعشيقة آخر . أنت تسير معي في الطريق ، تحتضن يدي في المساءات الدافئة ، ترافقني إلى المسرح ، ودور السينما ، تتناول الغداء معي ، وتمضي .. الآخر يحتلني في الحلم ، يجردني من مشاعر الهزيمة والانكسار ، ينبش أنوثتي ، ويقدمني عارية من شكلي الاجتماعي على طبق رغباته .. تلهث لتحقيق ما أريد ، تسند بيدك ضعفي ، والآخر يضحك مقهقها : (( أنا أريدك ، أنت عشبي ونداي ، وأرقي الطويل ، آه كم أريدك ! )) أنت تلازم صحوي ..الآخر يعيدني إلى حيث بدأت معه ألف باء الحب ، بنظرة غامضة على حدود العشرينات من العمر . ترسم المستقبل ، تخطط شكل البيت والنوافذ ، والأثاث .. والآخر يرسم جسدي شهيا على قماش ذكرياته ، يبدع في إبراز مفاتنه ، يتقن وضع الابتسامة على وجهي ، يفجر برودي حمما ، وينقضّ ممزقا اللوحة ..! أنت لم تقتحم حواسي كبركان ، لم تصدمني عيناك بالرغبة ، لم تنسف توازني بكلمة ، كنت واضحا كشمس فجة في يوم قائظ : ـ أنا أريد الارتباط بك لأننا نناسب بعضنا .. أنت لن تجدي مثلي وأنا لن أجد مثلك . الآخر ، انسلّ تحت خيمة العتمة وبوح المطر ، أعلن اتحاده بألقي ، فتح مسامات الجلد بلمسات خبيرة ، أيقظ توهجي ، سكب كلماته شلال فل على شرفات روحي ، ولم ينتظر ردّا ، كان يسير بي إلى الهاوية واثقا أني وراءه كظله ، ألازمه على رصيف نزواته ، يقرأ فأصمت ، يتحدث فأسمع ، يرغب فألبي ، يسير فأتبعه ظلا مرتعشا خائفا . طلبت مني تحديد موعد الزفاف ! الآخر نظر إليّ من زاوية الحلم (( تتزوجين خيال مآتة ! أنت تريدين رجلا يفجر أنوثتك ، رجلا يوقظ فيك الحلم ، ويطرح الرغبة أسماكا في شباكك الغائصة في عمق البحر ، تتزوجين ! )) السخرية تغوص رمحا باردا في أحشائي ، يهزني ، أتساقط رغبة ً ، جنونا ً ، حنينا ً ، أتهاوى صراخا ً : ـ لا .. لا أريد ، لن أتزوج . تتجمد للحظات ، تنبس بفتور : ـ كيف ؟ !! لكني أحبك . الآخر يبتسم بشماتة ٍ مبرزا نصره بنظرة تخدر دماغي وتدخلني في الغيبوبة ! أخلع حذائي ، أسير إليه حافية ، على مذبح رغباته أقف ذاهلة صامتة .. تفاجئني ابتسامة زميلتي الشامتة : ـ ألا تعرفين أنه تزوجني ؟ أنت تلقفت عودتي إليك بحزن : ـ هل أنا لعبة بين يديك تحطمينها وقت تشائين ، و تحاولين لصق أجزائها المتناثرة حين تحتاجينها .. دموع حيرتي جعلتك تتراجع ، مسحتها ظنا ً منك أنها دموع استغفار وندم ! وعدت إلي ّ . حين قررت الذهاب إلى المحكمة لتثبيت الزواج ، اقتحم الآخر مسائي غاضبا (( استطعت نسياني!!!! هكذا تقولين وداعا ؟ وهل يقول الإنسان وداعا لياسمين روحه ؟ )) تراجعت منكمشة على نفسي ، امتزجت بعشبه ، تمرغت بترابه ، شممت بعمق عطر شرفاته الغارقة بالياسمين ، واستسلمت لذراعي الحلم . في الصباح كلمتك هاتفيا : ـ لقد قررت السفر ،.. أريد اختبار عواطفي بعيداً عنك .! طريق المطار الطويل أشعرني بلذة الوصول إلى النهاية ، القاعة الغاصّة بالمسافرين والعائدين تختصر الكلام بضجيج غير مفهوم .. ينظر الموظف المسؤول إلى وجهي بشك : ـ جوازك ؟ تنطق شفتاي بحياد : ـ نعم تدقق نظراته فيه متمتما ، الاسم والشهرة تاريخ ومكان الولادة ، المهنة ! يرفع رأسه محدقا في وجهي : ـ تعملين في الحكومة ؟ بضيق نفثت اختناقي حروفا متكسرة : ـ لا أتناول الجواز ، يستقرّ على البلاط الناعم بعيدا عن يدي المرتعشة . أمسح غبار الروح عنه تطالعني صورتي التي التقطت منذ سنوات ، أفهم نظرات الموظف ، أبتسم لنفسي بمرارة ، وأنا أحاول إغلاقه تلسعني جمرة التواريخ والأمكنة بقوة ، الولادة ، المهنة ،الإقامة ، كلّ ما في جواز سفري من معلومات باردة حيادية ، تغسلني بمياه الصحو الباردة ، ويصفعني السؤال : ـ ماذا تريدين من الزمن بعد وأنتِ على أعتاب الأربعين ؟ بأصابع أحرقتها الحقائق فتحت جوازي ثانية ، دققت فيه بحثا عن تاريخ الحب ! الجواز الأصم بصق بروده في وجهي ، لا وجود لهذا المسمى الغريب الذي تبحثين عنه ! حين أوشكت الطائرة على الإقلاع .. رميت جواز السفر ، ودموعي ، وارتعاشي ، وأحلامي في قاع الحقيبة المظلم ، أغلقتها بحياد ، وخرجت مع العائدين ، تنفست هواء المطار البارد بعمق ، ملأت رئتي ، وسرت باتجاه السيارة |
||||||
29/09/2007 | #4 | ||||||
مشرف متقاعد
|
ما قاله مذيع النشرة \ غالية قباني ..
ما قاله مذيع النشرة ران السكوت فجأة، كما لو أن السيارة تسير بدون ركاب او سائق. صوته فقط هيمن على المكان فانطلق مخترقا الحدود، وأطلّ مثل معلم متجهم إقتحم فصلا علا ضجيجه. إنطلق الصوت فقطع جملا من الثرثرة الهادئة الدائرة في حينها، وأعلن أسراره المرعبة " هنا إذاعة .." ثم قدّم موجز النشرة ، وفيها خبر عن هذه البلاد. رمى الصوت الاذاعي بطعمه مستدرجا خمسة أشخاص في سيارة أجرة، خمسة غرباء ألقوا بشجاعتهم من نوافذ الخوف وانشدّوا الى صوته منتظرين النشرة المفصلة. قبل عشر دقائق على الخوف، كان التاكسي الذي يحمل راكبا في المقعد الامامي قد توقف لفتاتين في شارع مزدحم بالمحلات بمركز المدينة. اجتازتا الباب الخلفي الايمن باتجاه المقعد، كما لو أنهما تستعدان للنوم فوقه من شدة التعب. كادت السيارة ان تتحرك فاستوقفها شخص رابع: " طريقكم الى شارع النصر؟". أجابه السائق بنظرة أحالته الى الفتاتين: "هل تسمحان؟".. ردّت احداهما وهي تنظر باتجاه الراكب الامامي: " لم يعد إسمه تاكسي .. ثلاث توصيلات؟". إسترحمهما الشاب: " ساعة بأكملها ولم أعثر على تاكسي.. ينوبكم خير ". تبادلت الفتاتان النظرات واتخذتا القرار: " تفضل".. فتح الباب وحشر جسده في مقعد ضم بالاضافة للفتاتين، مشترياتهما. تحركت السيارة، ثم علا حوار مشترك حول أزمة سيارات الاجرة في المدينة التي تزداد حرارة وسكانا. و راح الحوار يتفتت ويتوزع. السائق ومعه الراكب الى جواره، إنشغلا في حديث عن أعباء إقتناء سيارة ، أعطال لا تنتهي وكذلك المصاريف. وكان الراكب الخلفي يشاركهما الرأي أحيانا. الفتاتان في المقعد الخلفي إنشغلتا في حوار هامس ، وبدا أن إحداهما تعاني من مشكلة خاصة. على أية حال لم تتعارض الأصوات، ولم ينزعج أحد من الاشخاص الخمسة من أصوات الآخرين، فقد كان صوت أم كلثوم يشكل حاجزا، أو خلفية مناسبة لتلك الثرثرة الهادئة. كان ذلك قبل أن ينطلق صوت مذيع النشرة مشيرا إلي أحداث هامة تقع في البلاد "إعتقالات سياسية واسعة، ومنظمة العفو الدولية تقدم إجتجاجا على إعتقال عدد من الافراد دون محاكمة..و...". قد لا يبدو أن هذا الصمت مبررا، أعني أن يخرس سكان ركاب السيارة وسائقها لمجرد أن مذيعا في مدينة أخرى بعيدة يتحدث عن هذه البلاد. لنحاول إذن تصور سيناريو مقنع لهذا لهذا الصمت: تردد السائق في تغيير مؤشر الراديو لأنه منذ سنوات فقد السيطرة على حساب العواقب بحس سليم، ما هو الصح وما هو الغلط. فماذا عن فعل هذه اللحظة .. هل يغيّر المؤشر مطلقا شتائمه ، واصفا الإذاعة بالكذب والتلفيق؟.. لكنه يعلم تماما أن المذيع الغريب يعلن الحقيقة الغائبة. إذن هل يتركه يسترسل فيشي به أحد الركاب، ويتهمه بالمساهمة في ترويج إشاعات مغرضة تمس مصالح البلاد؟. الركاب الأربعة أداروا رؤوسهم باتجاه النوافذ ، متمنين لو انهم كانوا هناك، في أي هناك. بعيدا عن هذا المكان المأزق كي يحتموا من أي ردة فعل تسجلها مرآة السائق، أو تلتقطها عيون زملاء التاكسي. حتى الفتاتان صمتتا عن مناقشة مشكلة إحداهما، وأشاحت كل منهما بوجهها عن الاخرى، خشية ان تفضحهما نظراتهما في حوار الصمت المشترك. الشاب المجاور لهما في المقعد، تذكر شقيقه الغائب في مكان ما منذ أربع سنوات ، فوضع يديه في جيوبه، وراح يضغط على محتوياتها، علها تمتص توتره. حسنا هل تشعرون أن هذا الحدث لا يصلح مادة لقصة؟.. أعني أن يجتمع خمسة أشخاص في سيارة أجرة، وفجأة يتبادلون الاتهامات السرية الصامتة، شبهة الخيانة وكتابة التقارير المباحثية، بافتراض غير مبني سوى على الخوف.. ولمجرد أن صوت مديع نشرة أخبار في إذاعة بعيدة إندس بين أرواحهم، فجمّد إنشغالاتهم اليومية وأطلق المخفي والخوف معا؟.. غالية قباني دمشق \أيلول \1990
من يومها صار القمر أكبر :)
______
- ابو شريك هاي الروابط الي
بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف
الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة
سوريا -
|
||||||
29/09/2007 | #5 | ||||||
مشرف
|
|
||||||
29/09/2007 | #6 | ||||||
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
لسع طولي بالك حتى تقري كتاب كولييت خوري من 1980 مانه متغير شي لا بلبنان ولا بسوريا
رايحة تزور
كوخ مسحور |
||||||
30/09/2007 | #7 | ||||||
مشرف متقاعد
|
ما يشبه الحنين ... و اكثر ...
ما يشبه الحنين و اكثر أمي مشغولة دوماً. لم تغيّر عاداتها كثيراً. وما تغير من أحوال لم يكن لها فيه إرادة أبداً، رغم أنني لا أعتقد أنّ أمي كانت مسلوبة الإرادة لسبب بسيط وأولي: أمي تمتلك حديقة أنيقة ومزدهرة حديقة أمي تبدأ من رقعة بمحاذاة غرفة الأولاد العتيقة في المالكية، تمتد بخفة بهيجة للتغلغل في حدائق حلب، ترفع معدل الياسمين المنثور على أكتاف السياج والشرفات وبين أصابع العشاق، وعيون المارة في أرجاء المدن الأخرى حديقة أمي لا تخضع لهندسة عصرية حزينة تقترب من المطارات، تقيم وتغادر بلا بطاقة رسمية مختومةٍ بزمن الأنطلاق وزمن العودة حديقة أمي لا تنتهي في تورنتو، وتوزع أشجارها بلا مقابل. بين كريات دمي يعشعش مجهولٌ يشبه الحنين وأكثر أمي منشغلة عني كعادتها، من خصالها العتيقة أنها مازالت تستيقظ قبل الحديقة وقبل الندى. تعرف كم زراً من الورد تفتح في الليل وتبتسم. تعرف كم ساعة وليلة يحتاج هذا البرعم الآخر للتفتح، لمعانقة الصباح. أمي لا يفوتها أن تنقّي فستان حديقتها من الأعشاب الدخيلة، تعرف الكائنات المتطفلة، الضارة والأليفة. بينها وبين تراب الحديقة أسرار وبوح ومعرفة، تربكني! أفتحُ الأطلس، أقيس بالنظر المسافة العمودية والأفقية مابين تورنتو وحديقة أمي، أجتهد أن أبتسم، أن أقلدّ أمي في مهاراتها، أعبر الفصول والحدود والشوارع بلا بطاقات وأختام ودعوات لقهوة الصباح، للطين مختلطا بروح الياسمين وزهر رمان وكروم حبلى بالنبيذ. وأما تلك الشتلة، وزهرها الخمري، فلم أكن أحبها، كانت أمي تعتني بها وتسميها "عرف الديك"! صديقتي الفضائية، حنونة أيضاً ويشغلها غيابي، تدلق رسائل إلكترونية في صندوقي، تفاجئني بكلمتين: أين أنتِ؟ أجيب: هنا، أجمع شظايا الوقت، واقفة على مشارف قصيدة وحكاية لم تكتمل منذ الصباح. انشغلتُ أيضاً طويلاً عن أمي، وكلما أردت ُ أن استحضرها، أراها خلف التنور العتيق، أرى عدداً كبيراً من الأطفال – لم يكن كلهم أخوتي – ينظرون أمي ورغيفها. التقطُ صورة وجهها الوردي مغسولا بحزن جليل وتبتسم. وصلتُ اليوم، وربما البارحة... بل لا أذكر متى، كانت أمي قد أنجزتْ كل شيء كعادتها، تكبّد نفسها عناء شديدا كي تقطع عن الجارات وشوشاتهن وكي تسمع مديحاً: أنيق، نظيف بيت السيدة ( س ) دوما. أمي لا تنسى أن تمسح الغبار عن صور أحفادها الصغار الذين لم ترهم، ويصعب عليها حتى النطق بأسمائهم، تبتسم لهم وتكلم نفسها: هذا لوراندو ، وهذا مايكو وهذه سيلفانا الجميلة .... يردّ أبي متهكما: يا امرأة، كم مرة سأعيد عليكِ كيف تلفظين أسماء أحفادنا؟ يعلو صوت أبي، فجأة وبعصبية: هذا ليوناردو، وهذا مايكل وهذه سيلفيا وهذا سلام.. يغمغم، يتهرّب من النظر في وجه أمي، يمدّ يده إلى " الريموت كونترول" يرفع صوت التلفاز جداً. يده الهرمة تمتد إلى علبة السكائر. أمي تحدق في البعيد كأنها لم تسمع شيئاً، وأعتقد أنها لم تعالج آلام أذنها وأسنانها بعد، رغم أنها لا تقصّر في خدمة الحديقة. أمي متعَبة ككل الأمهات الجميلات، وحين أصل تكون نائمة، تشبه طفلة أعرفها! بصمتٍ أقطف فرعاً من شجرة في الركن، شجرة أطلقتْ عليها اسم " جاكي " أقبّل وجه أمي، حديقتنا، والصباحات التي لا تحد أطيل الوقوف أمام مدرستي، أنتظر حبيبي، أدمدم مع فيروز "
- ابو شريك هاي الروابط الي
بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف
الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة
سوريا -
جاكلين سلام تورنتو 2002 |
||||||
30/09/2007 | #8 | ||||||
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
بدكون مساعدة هلق القصة لازم حصرا لكتاب ولا بيصير اذا الواحد مخترع قصص مشان نعرف يعني
The Best Or no Thing
====================== Its Hard To Defeat A King ====================== Feeling Doesn't Die ====================== Trust No One ====================== زبطولنا السيرفر ولو ... :) |
||||||
01/10/2007 | #9 | ||||||
مشرف متقاعد
|
|
||||||
01/10/2007 | #10 | ||||||
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
اي هلا كيفك
انا سوري وبكتب = كاتب سوري |
||||||
02/10/2007 | #11 | ||||||
مشرف متقاعد
|
جلطة د.ناديا خوست انعقد يومذاك بيني وبينه الحوار . ولم أفهم أني بذلك كنت أعبر البوابة إلى هنا من هناك. وجدت يومذاك على طاولتي بطاقة باسمي من المدير، تدعوني إلى اجتماع . وقبل ذلك اليوم، كانت حتى رسائلي الشخصية تضيع في غرفة البواب. قرأت اسمي على البطاقة وتساءلت دهشاً : ماذا جرى؟ وسمعت الجواب! يقيم المدير احتفالاً مصوراً يجب ألا يغيب عنه أحد. مشيت إلى الإحتفال. ورأيت لأول مرة صالون المدير الذي كان محجوزاً للضيوف الكرام . أدهشني أن المدير كان واقفاً عند الباب يستقبل كل واحد منا، يصافحه ويستوقفه ليسأله عن صحته وأسرته وحاله. جلست مع الجالسين في حلقة كبيرة ، وجلس هو في الصدر. قدمت لنا القهوة المرة، وسلال السكاكر . ثم بدأ مديرنا الكلام فقال: اغفروا لي ما مضى! لنقل معاً: طواه العالم القديم! كان لابد لي ، كرؤساء المؤسسات، من حاجب يمنع وصولكم إلي. كان لابد لي من سكرتير ينقل لي صورة الواقع كيلا تشوشها الآراء. ولابد من سائق يفتح لي باب السيارة وباب المصعد وينحني فتنحنوا لي مثله. كنت في سياق ذلك الزمان! من حظنا جميعاً أن ذلك العالم البيروقراطي انهار، كما انهار سور برلين، وأشرق عصر الديمقراطية ، وأصبحنا مجتمعين معاً فيه. ألتقي بكم اليوم، لأطلب أولاً اعتراف كل شخص به، ولأعلن ثانياً أن مكتبي سيكون كالبيت الأبيض، تستطيعون أن تجتمعوا أمامه رافعين ما تشاؤون من يافطات. بل تستطيعون أن تدوروا أمامه دورات كما يدور المواطنون في تلك البلاد. الحرية شعار هذا الزمن! فلا تخافوا أحداً، ولا تخافوا من شيء! سندخل بجرأة العصر الجديد، وسنبرهن للعالم على مستوانا الحضاري ! فلنقتلع العداوة والكره من القلوب ! أعلن لكم على مسؤوليتي: لا يوجد عدو! كان مديري الذي ألقى علينا تلك الخطبة بصوت عميق حنون، واقفاً أمامنا ثم أمر لنا بالمشروبات ، قد سجن مرة أحد الموظفين في الحمام، وحسم رواتب كثير من الموظفين ، وفرض أن تكون جدران مكاتبنا من الزجاج ليرانا ولا نراه . كان يرفض اللقاء بنا، لكنه يفتح بواباته للرجال المهمين أكانوا تجاراً أم سياسيين . وقد صادفه سكرتيره مرة ينحني للتلفون كأنه ينحني لمن كلمه به. كان ذا أعاصير. وقد عانيت شخصياً منه يوم قصف حلمي كما يقصف الورد. كنت مرشحاً للسفر بمنحة لم تتوفر شروطها إلا لدي: لست متزوجاً، وعمري هو المطلوب، اللغة التي أعرفها هي المرغوبة، والخبرة نفسها تماماً. لكنه رشح مكاني ابن أخته من فوق السطوح دبر له المنحة وأبعدني. قبل أن أتذمر أرسل حاجبه فقال لي: لا نريد كلاماً لا طعم له! تذكر أن مصير الإنسان في لسانه! ما حدث هو القانون في المؤسسات والأحزاب والمنظمات والهيئات، وهو سنة في الشرق أكثر مما هو في الغرب، وفي الجنوب أكثر مما هو في الشمال. أيمكن ألا يفضل الواحد قريباً يعرفه على الغرباء الذين لا يعرفهم ولو كانوا أبناء حزبه ومؤسسته وبلده؟! فافهم أنه لا يوجد أحد تشكو ما حدث إليه! بعد تلك الحادثة لم أرشح نفسي لأمر أبداً، ولو كان السفر إلى الواق الواق. فهمت أن السفر والمنح والوفود والرحلات ليست كما تصورتها، بل لجني المال والفائدة الشخصية. ويوم أدركت ذلك كنت قد فهمت قوانين الحياة. قلت لنفسي وأنا أسمع كلام مديرنا، انقلب العالم عاليه أسفله إذن، فلم لا ينقلب مديرنا مثله! مع أن ما رأيته حتى الآن هو التحول من الأحسن إلى الأسوأ! لعل صاحبنا جمعنا ليستنجد بنا كي نحميه من الإعصار! كان زملائي حذرين فأظهروا أنهم يتلقون كلماته كما يتلقون السكاكر. لكنهم من الحذر اكتفوا بتعبير الوجه وتفادوا التعليق. أنا تهورت! قد يكون سبب اندفاعي فوضى العالم التي أكلت صبري. وكنت كثيراً ما أردد في تلك الأيام مهزوز القلب: فليكن! أكثر من القرد ما مسخ الله! فسألته: نحن أحرار إذن كالعصافير، في هذا العالم الجديد؟ ضحك: طبعاً، أعني ما أقول! وهل تظنني دون شغل كي أبعثر وقتي وأوافق علي هدر وقتكم! كدت أضحك، فقد خطر لي أن قوات الأمم المتحدة وممثلي الدولتين سيؤكدون بالضمانات كلماته. وكثيراً ما كان يخطر لي كلما وقع خلاف بين الجيران أني سأرى قوات الطوارىء تنزل بمروحياتها بينهم، وأن المفاوضين سيتدخلون ويجعلون الخلافات الصغيرة مسائل عظيمة. وقد تشترك في ذلك شركات السلاح! لكني كبحت ضحكتي وقلت في جد: اذن سأجهر بما في النفوس. أعلن في هذه المناسبة التاريخية: لا يستهيويني هذا العالم المولود! افتتح بالكذب والتدجيل. ولأنقل لك ما يقوله الناس: حروب جديدة، فيها ما في القديمة من قتل واحتلال. العالم أسوأ مما كان. عالم وحشي، تقصف فيه المدن وتغتصب فيها لنساء. فيه قتل على الهوية، على الفكر، أو العنصر، أو الدين، أو الضمير. يحاسب الانسان حتى على ماضيه. ويفرض عليه أن يخلع جلده ويرميه. والعرب في هذا العالم في أردأ حال، تقصف مدنهم، يقتلون، يحاصرون بالنار والجوع والبرد، ويحكم عليهم بأن يعلنوا أن القاصفين الغرباء أصدقاؤهم الحكماء. أمس كنت في التعزية بصديق، فتبينت أن الحاضرين نسوا الميت وجعلوا التعزية بما هو أعظم منه . حتى تصورت أنهم يهزون الأعلام السوداء. وأشد ما أغضبهم أن يبدو المهزومون كالمنتصرين وقالوا غاضبين: زمن لا جغرافية فيه ولا تاريخ! الجديد أن يطلب منا أعداؤنا وأصحابهم من أقربائنا، أن نعلن: العار شرف، والاحتلال تحرير، والوحشية حضارة، والعدو صديق . باختصار: أن نقول اللبن أسود! وهذا ما لن نفعله! رويت ذلك لمديري أمام الجمع، وقبل أن ألاحظ أنه أصفر، قلت له:أنا مثل اولئك الرجال !ردد بعد أن فكر زمناً: مستحيل!ذلك مستحيل! سألته: ما هو المستحيل؟ قال: تصور أننا على شاطىء والمركب الذي انتظرناه وصل. وأنا مدير رحلتكم، فهل أترك بعضكم يتخلف عنها؟ فيصبح جزء منا في البحر وجزء على البر؟ قلت له: كأننا لم نكن كذلك حتى اليوم! جرى بيننا حوار متوتر، تابعه زملائي وهم يخفون ابتسامتهم مرة وينظرون إلي مرة نظرتهم إلى متهور أو مجنون، ويشجعونني مرة خفية كأني أعبر عن المخبأ في نفوسهم. ودفعني ذلك فقلت إن المركب الذي وصل ليس المركب الذي انتظرناه. المهم أن نعرف مسار الرحلة قبل أن نقفز إلى الزورق! والمهم أن نفحصه قبل أن نتراحم عليه ونندفع إليه! يحتمل أن يكون مثقوباً، وأن نحشد فيه كي نغرق! إذا صح أننا في زمن الحرية فلكل منا الحق في أن ينتظر رحلته التي رغب بها طول عمره، لا أن يربط على مركب الشيطان! ارتبك مديري وقال لي: أنت أفهم من المؤسسات العالمية، والأحزاب العربية والكونية، ومن البارلمانات المحلية والغربية، ومن مجالس الوزراء الدنيوية، وشخصيات العالم القديم التي هرولت إلى بوابات العالم الجديد راجية الدخول إليه؟ أنت أفهم من المنظّرين الذين كتبوا مئات الصفحات في مدح الاصلاحات، وبحثوا في أسسها الفلسفية والاقتصادية، في ثمارها الإنسانية والفنية وبينوا آفاقها الملونة، وتسابقوا في سبل استدانتها واستلهامها في أنحاء الأرض؟ لن ترغمني أن أكون خارج الإجماع العظيم الذي لم يسبقه مثيل في التاريخ! قلت له: تسمه إجماعاً ويسميه الناس مثلي "هوبرة" لكنه لم يسمعني، بل قال: لن أسمح لك بأن تشوه سمعتنا! لن أربط قدميك وساقيك كيلا تستخدم صورتك وثيقة ضدنا! لكنك ستسير إلى المركب كما نسير إليه. فلو عرف العالم المتحضر أني أسمح لك بمعارضة قضية الحرية والسلام لقصف بيتك الذي يقع على بعد خطوتين من بيتي أو لكلفني بأن أقصفك بيدي. ولا أظن أنك ترغب لي بمثل هذا الموقف بعد حياتنا المشتركة في مؤسسة واحدة! انقلب الموقف فأصبحت أنا الذي يجب أن أشفق عليه، وأنقذه من ورطته! قال: كي يمتنع التشويش، ستوقعون مجتمعين على هذا الدفتر فنكون معاً متعاونين متعاضدين. ولم يترك برهة الحوار.
ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......
شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب... jesus loves me... |
||||||
02/10/2007 | #12 | ||||||
مشرف متقاعد
|
نشر سكرتيره دفتراً مزيناً بشرائط مذهبة، مغلقاً بجلد أزرق، دفتراً ثخيناً لكل منا فيه خانة تعرف به، فيها صورته وفيها مكان بارز لتوقيعه. استل السكرتير القلم، فارتعشنا. قال في حزم ووقار ومهابة: سيتقدم من أعلن اسمه ليوقع بخط واضح أمام اسمه وصفته. قلت: هذا إذن احصاء! أو إلزام! أجابني: هذا من تحديات الحضارة والحوار والسلام! وستوقع عندما يحين دورك! غضبت: أين حرية الرأي إذن؟ متى باليتم بتوقيعي إلا في لائحة الدوام؟! رماني بنظرة سامة: توقيعك كان ضرورياً في الانتخابات والاستفتاءات! نسيت؟ هذا أيضاً استفتاء! أعلنت في تهور: لن أوقع إلا على ما أختار! لم أختر هذا العالم ولم أسع إليه بل سجل أني ضده! وأني لا أوافق على هذا السلام فإلى جهنم وبئس المصير! هذا ليس تحدي الحضارة بل تحدي الضمير!
قال مديري في هدوء: أعرف أنكم تحتاجون زمناً كي تألفوا الحرية وتتربوا على استعمالها دون أن تضيعوا صوابكم! أعرف ذلك من تجربتي الشخصية! كان عندي مرة طير جميل خطر لي أن أطلقه في الغرفة، فضاع صوابه. كسر الأكواب الثمينة والثريا الجميلة، ووسخ الأرائك المخملية. جن! ولم يعد عقله إليه إلا عندما أعدته إلى القفص. لا أقفاص في العالم الجديد! لكننا يجب أن نتدرب على استعمال الحرية فلا نشمت بنا العدو. انسحب في مهابة بعد ذلك الكلام . أسرع موظف ففتح له الباب، وانحنى له آخر كما كان ينحني في الزمن القديم. انسحب لأنه يخشى أن ينقل أنه سمع ما أقول! بعد خروجه استقام السكرتير وأعلن في قسوة باردة: تحسب أنك ستسجل اسمك في حلم بعيد؟! لا، لن نسمح بأن يقال أنا تهاونا أو زللنا أو خفنا من الغوغاء! لن نسمح بذلك لمن هو أكبر منك ولا لمن هو أصغر منك! مشكلتك أنك تفكر بعقل العالم القديم. لم تفهم حتى الآن أنه اندثر! قرر السكرتير أن يقدمني على الآخرين في التوقيع. التفت إلى رجاله المخلصين فدفعوني إلى الدفتر الأزرق ذي الشرائط المذهبة. وعندئذ وقعت. سمعت زملائي يرددون: جلطة! وخلال جنازتي سمعتهم يحصون من سكت قبله في ذلك اليوم. تحدثوا هامسين أحاديث فيها حزن علي وعلى الراحلين. لكن المكبرات كانت تعلن أن قلبي لم يتحمل أفراح الاحتفال بنهاية أكبر صراع في هذا القرن، وبالانتقال من عالم التوحش إلى عالم الحضارة والسلام. حاولت أن أدفع غطاء التابوت كي أعلن الحقيقة للسائرين في الموكب، فوجدته مغلقاً بالمسامير والأقفال. وتذكرت القول الذي كانت أمي تردده: الكذب على الموتى وليس على الأحياء! وقررت أن أصحح لها مثلها عندما نلتقي. ولهذا وجدت نفسي أفتش الشواهد باحثاً عن اسمها. لم أجده! فطرقت القبور متسائلاً هل سرق مأواها؟ ثم سمعت همس جارتها: أمس طلب من الموتى التوقيع في دفتر ذي شرائط مذهبة يعلن نهاية أطول صراع في القرن! حاولت أمك الانتحار. لكنها لم تستطع الموت مرة ثانية فهربت. وما زالوا يبحثون عنها بالأنوار الكشافة والكلاب. أنصحك يا ابني، لا تذكر اسمها! |
||||||
04/10/2007 | #13 | ||||||
مشرف متقاعد
|
حـكايه قـديمه .. كان يا ما كان في حاضر وقديم الزمان، كانت تعيش بلدة صغيرة حلوة في أحدِ سفوح الجبال أو في أحد السهول الواسعة الغنية بخيراتها، وكان جميع أهل البلدة متحابون طيبون، يحترم الصغير فيهم الكبير – وطبعاً – يعطف الكبير فيهم على الصغير. كما أن الأغنياء منهم ينظرون بعين المحبة والإيثار، إلى الفقراء منهم، فما يقدِّمونه لهم بيمناهم من أعمال خير لا تعلم به يسارهم.. وكان الفقراء بالمقابل، أناس قانعون بما يملكون، راضون بقسمتهم في الحياة، وليس للجشع "مطرح" في أرواحهم. أما البصَّاصون والعسس، فكانوا لا يبرحون أماكنهم خوفاً على أمن البلاد والعباد، وضماناً لراحتهم. وتجار البلدة، تعجز الكلمات عن إعطائهم حقهم لما يتمتعون به من صدق الكلمة، وجودة البضائع وقناعة بالربح البسيط، وذلك لعلمهم وإدراكهم أن أهل البلدة ما هم إلا أهلهم، وأولادهم ما هم إلا أولادهم. أما الصنَّاع والحرفيون وأصحاب الكارات، فكان لشرف المهنة القول الفصل، حيث إن الجودة العالية والأسعار المنخفضة، والأمانة والاستقامة، هي الشعار المقدَّس الذي لا خروج عنه ولا بديل. أما معلم المدرسة، فله من الإجلال والاحترام القدرُ الكبير، لما يقدِّمه لأولاد البلدة من مفيد المعلومة، ورفعة الأخلاق، وصدق التعامل، فهو أنموذج يقتدي به الكبير قبل الصغير. حتى بيوت هذه البلدة، هي بيوت لطيفة بتصاميمها بسيطة جميلة غير متكلفة، وقد وزَّعت أصص الورود على أسطحتها وشرفاتها برفيع الذوق والأناقة. ولن ننسى هذه الشوارع الصغيرة والزواريب الضيقة الحلوة، التي تفوح منها رائحة النظافة والترتيب، والناس يسيرون فيها باسمين لبعضهم البعض بكل صفاء ومحبة، تسمع همهمات من هنا وضحكات ناعمة من هناك لأناس يقفون أمام المحال يتجاذبون أطراف الحديث بهدوء واحترام. لن أبالغ إذا قلت بأنه حتى حيواناتهم وماشيتهم وقططهم وكلابهم وحميرهم وبقرهم وغنمهم، هي حيوانات أليفة لطيفة نظيفة، لما تلاقيه من عناية ورأفة من قبل أهل البلدة وأطفالهم. لن أستفيض أكثر من ذلك، عما تحتويه هذه البلدة من أسباب العيش الهانئ وطيب المقام. لكن الشيء الوحيد الذي لوَّث هذا الصفاء والتناسق والجمال، هو أحد الرعيان الذين يسوقون الغنم والماعز من طلوع الشمس حتى غيابها ـ أظن أنكم تعرفون حكايته ـ كان يرعى الخراف والماعز ويعزف على شبابته، وأحياناً ينظم الشعر المحكي، ويغنيه لماشيته ليسليها، وليفتح قابليَّتها بتناول العشب النضر المنشور عند أطراف البلدة، كما أنه بغنائه هذا يمكن أن يردَّ عنها الضواري والذئاب. وفي يوم من الأيام، لم تدر البشرية حتى الآن لماذا – انضرب على قلبو- وأوقع الدنيا في حيرةٍ لا مثيل لها، عندما أحبَّ أن يتسلى أكثر، فقرَّر أن يبعد الضجر عنه، وبدأ بالصراخ جهة البلدة وأهلها مستغيثاً طالباً النجدة، لأن الذئب قد هاجمه وبدأ يفتك بالقطيع – تعرفون الحكاية- وعندما سمع أهل البلدة صراخه، حمل كلُّ واحد منهم، نساء ورجالاً وأطفالاً، ما استطاع حمله، من فأس وعصا وحجر، وهرولوا باتجاهه صارخين زاعقين مغيثين، ليقضوا على الذئب الغدار... وعندما وصلوا إليه وجدوه يجلس بجانب صخرة، أو تحت شجرة- لم أعد أذكر- وكان يضحك ويقهقه ملء شدقيه، ساخراً من أهل البلدة ومن سذاجتهم... فسألوه: لماذا كذبت علينا؟ فأجابهم ساخراً –وأعتقد أنه لم يجبهم بشيء- وظلَّ يضحك منهم. زعل الناس وطلبوا منه عدم تكرارها وعدم الكذب عليهم، وعادوا إلى منازلهم وإلى حياتهم الوردية. وفي اليوم التالي، وبينما كان القطيع يرعى الأعشاب النضرة الخضراء، والراعي يعزف على شبّابته، قفزت اللعبة الشيطانية إلى رأسه مرة أخرى، فوقف على صخرة أو شجرة – لم أعد أذكر- وبدأ بالصراخ والعويل: يا أهل النخوة لقد هاجمني الذئب، يا أهل الحميَّة سيأكلني الذئب... حمل الجميع عدَّتهم وهرولوا راكضين باتجاهه حتى وصلوا إليه منهكين متعبين، فوجدوه ممدَّداً بقرب صخرة أو تحت شجرة – لم أعد أذكر- وهو يقهقه ضاحكاً ساخراً منهم. فسألوه معاتبين: لماذا كذبت علينا؟ فأجابهم ساخراً- وأعتقد أنه لم يجبهم بشيء- وظلَّ يضحك منهم. وهكذا ظلَّ الراعي يفعلها، في اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن، والألف والمليون. كان يصرخ مستغيثاً وطالباً العون من أهل البلدة بأن ينقذوه من الذئب الغدَّار، وعندما يصل الناس إليه يجدونه منبطحاً بجانب صخرة، أو تحت شجرة- لم أعد أذكر- وهو يضحك منهم ساخراً. حتى الآن لم يأكل الذئب هذا الراعي الكذاب، وبقي الناس يلبُّون طلبه ودعواته لهم، ولكن هذه الدعوات والمناجاة، أخذت أشكالاً مختلفة وطرقاً أخرى. فقد طوَّر هذا الراعي أدواته ولم تعد بالصراخ والغناء والشبابة فقط، بل وصلت عبر الفضائيات والأرضيات والإذاعات، ولافتات القماش الملوَّن، والصور الباسمة المعلقة في كل زوايا الشوارع والحواري، وعبر الخيم والقهوة المرة والجُعالات والهدايا والتقدمات. بــسام كـوسا |
||||||
05/10/2007 | #14 | ||||||
مشرف
|
الرأس المائل أسامة حويج العمر ذات صباح، وبعد ليلة مشحونة ببروق الكوابيس، استيقظت من نومي بقرفٍ ، وبدأت بتدليك رقبتي التي أصابها التصلُّب ربما لأني نسيت إغلاق نافذتي المطلّة على الشتاء والبطالة. رأسي كرحم امرأةٍ حبلى بأربعة توائم مشوهة! أسير باتجاه النافذة بعدما زررت ياقة البيجامة جيداً، أتأمل الأشجار المنتصبة على جانبي الطريق، السماء تلقي برذاذها المتسرب من الشلال الأبيض المتجمد، طفل يركض خلف قطةٍ صغيرة لا تلبث أن تختبئ تحت إحدى السيارات، من بعيد يظهر قاسيون معانقاً الأفق، بدا كماردٍ أجلسه التعب.. خُيّل إليٌّ أنه يلهث.. ولكن ما الذي يدفعه للهاث؟ فجأة، يُزلزلُ رعدُ صوتٍ يهز أركان الحي: غاز.. غاز! أنظر ناحية اليمين بذعر، كانت سيارة سوزوكي فيها اسطوانات الغاز وفوقها رجل ضئيل الحجم أسمر الوجه يضع على رأسه طاقية سوداء لاكها الزمن، ينظر في جميع الاتجاهات ولا يلبث أن يتابع بصوتٍ أعلى من ذي قبل: غاز.. غاز.. ياللهول! أيها الرجل الضئيل.. من أين تأتي بمثل هذا الصوت الذي يبدو وكأنه قُدٌّ من جبال همالايا؟!! وشعرت بشيء من الغيرة أنا الذي يبدو صوتي ضعيفاً حتى مع استعمال مكبّر الصوت! لفحتني نسمة باردة حركت راكد المشاعر المختلطة، صاحب المنزل الذي بعث إليٌّ آخر تهديداته ليلة البارحة : لقد تأخرت ثلاثة أشهر عن دفع الإيجار.. سأمنحك مهلة يوم واحد وإلا..، زوجي التي هجرتني بسبب فقري ومرضي، ابنتي الصغيرة هبة، هذه الطفلة الجميلة التي اشتقت إليها كثيراً.. والبطالة! هذه الساحرة الشريرة التي تقف لي بالمرصاد أينما ذهبت وأنىّ تحركت.. هذه العجوز الفاجرة التي تطاردني في صحوي ومنامي، لم أتمكن من إتمام أسبوع واحد قي أي عمل استلمته، صاحب متجر الملابس طردني لأنني متكبر وبطيء الحركة، وصاحب المزرعة العجوز طردني ولم يلبث أن طاردني حول المزرعة حاملاً العصا لأنني كنت آكل من التفاح والأجاص والخوخ أكثر بكثير من الكمية التي أقدمها له ولعائلته، أما أبو أحمد صاحب أكبر محل لكيّ الملابس في المدينة فقد وصل به الأمر لمطاردتي والمكواة المحمّاة على نار جحيمه بيده لأنني أحرقت ما يزيد عن أربع قطع ملابس ما بين بنطال وقميص وسترة، الأمر الذي عرّضه لألسن أصحابها المحمّاة ورغم الوساطات الكثيرة لم أتمكن من العودة للعمل لديه. نسمات باردة تتقاطر إليّ ، تتغلغل في خيالي المتشرد في كل مكان فتجمده عند أيكةٍ من أيكات الماضي الفاتنة والحزينة، فدوى.. تلك الفتاة الحالمة ذات العينين الخضراوين والبشرة الحنطية، ما أكثر ما كنت أنهل من كوثر ضحكاتها، لكنها هجرتني فجأةً ودونما سبب.. دون حتى أول حرف من كلمة" وداعاً". نسمات شديدة البرودة.. رياح قطبية تجمّد خيالي وتحركه كيفما تشاء، يحطمه فجأة زعيق البائع المتجول: بطيخ.. بطيخ..! ترتسم على شفتيّ ابتسامة باهتة: أمِن أجل كلِّ هذا الحزن خلقتني يا إلهي؟! الكرة الأرضية بطيخ.. المستقبل بطيخ لا يعلم أحد ماذا يخبئ بداخله، القدر يجلس على أريكة وثيرة وينظر إلينا بعينين نصف مغمضتين حيناً.. وبعيون مفتوحة عن آخرها أحياناً. رأسي منفضة سجائر في قبو يقطنه مراهقين نبذهم المجتمع.. هل أنا إنسان فاشل؟ ربما. أغلقت النافذة جيداً بعد أن بدأ المطر يتساقط بغزارة، أرهقني البرد الممزوج بحرارة الحزن، أشعلت نار المدفأة ثم توجهت إلى المغسلة لغسل وجهي بالماء والصابون، لكنٌّ وجهي ظهر على المرآة بوضعٍ مائل! حدّقت جيداً.. تملكني الذهول، تحسست رأسي ورقبتي بذعر: ليس فيهما ما يدعو إلى الريبة، فحصت إطار المرآة.. ليس فيها أيُّ ميلانٍ فسألتها بصوتٍ شوهته الجروح: ما هذا.. ما الذي حدث؟ أجابتني قائلة: أنا أنقل الواقع بأمانةٍ تامة آخر تعديل butterfly يوم 05/10/2007 في 08:32. |
||||||
06/10/2007 | #15 | ||||||
مشرف
|
هاربة من منبع الشمس للرائعة .. غادة السمان ما زلت في أعماقي.. تمسح الطين عن جسدي بأهدابك ! مازلت في أعماقي... النجوم تفور من منابت شعرك فوق الجبين الأسمر وتنهمر فوق صدرك وهديرها أبداً يناديني .. يهتف باسمي ذائباً ملهوفً .. وأسرع في مشيتي، أشد كتبي إلى معطفي، وتظل أنت تتمطى في أعماقي، والشتاء يتأوه في قطرات المطر التي تلعق وجهي .. وتظل أنت تهتف باسمي، والريح تعول وتدور حول الأذرع الرمادية لأشجار متعبة تسندها ظلالها إلى جانبي الطريق .. والرعد يتدفق في أذني كصرخات دامية التمزق لامرأة ضائعة في صحاري شاسعة. مازلت في أعماقي تتمطى! وأنا أنزلق فوق ظلمة الشارع، ويخيل إليّ أن برك الماء المتجمدة قد ابتلعت أنوار الجامعة التي خرجت منها قبل قليل .. وألتفت ورائي وكأنني أريد أن أتحقق من أنها فعلا هناك .. المكتبة، والمقاعد الخشبية في الحديقة، والنادي المزدحم حيث التقيت زرقة عينيك الضالتين أول مرة، يوم جئت تبحث عن أختك، زميلتي في الصف، وتطوعت أنا لأشاركك التفتيش عنها .. وأحسسنا بسعادة مبهمة ونحن ندور معاً من مدرج إلى مدرج ومن باحة على باحة فلا نجدها .. ونتبادل الحديث بعفوية لذيذة كأي صديقين قديمين .. كم كانت أختك رائعة وكريمة ذلك اليوم! .. لقد اختفت .. لم نجدها بالرغم من الساعة التي قضيناها منقّبين، والتي انتقل البحث في دقائقها الأخيرة من القاعات إلى وجهينا .. وشدتني إلى عينيك كآبة حنون، مغرية الدفء كلهيب موقد يلوح لضائع بين الثلوج من وراء زجاج نافذة .. تنهدت بارتياح لما لم نجدها، وعرضت عليّ تناول كأس من الليمون في النادي ريثما نستريح ونعاود البحث من جديد .. وجلست أمامك .. أشرب من ملامح وجهك وأخزنها في أعماقي بحرص بينما أنت تحدثني ببساطة وانطلاق عن رتابة ساعاتك .. عن جلستك البلهاء كل أمسية وراء زجاج المقهى وتشابه أيامك .. كيف أن السبت يمكن أن يكون ثلاثاء أو أربعاء بالنسبة إليك .. الأشياء التي فقدت طعمها ولونها والأيام التي أضاعت مدلولها .. وظللت أعب من كأسي وفرحة جديدة تعربد فوق المنضدة وتنثر شعرها إشعاعات سعادة في كل ما حولنا .. حتى في نظرات زملائي المرتابة التي بدأت تنتقل من وجهي إلى وجهك بحدة وفضول .. قلت لك ضاحكة لأخفي بعض ارتباكي: " إنهم يحدقون إلينا وكأننا .. حبيبان!! " والتقت نظراتنا بصورة غير عادية لما نطقت بكلمتي الأخيرة "حبيبان" .. لا أدري لماذا ارتعش صوتي مع انتفاضة أهدابك، بينما رددّت أنت عبارتي شبه حالم وكأن حجب الغيب قد انتهكت أمام عينيك : " كأننا حبيبان " . ! وظللت أتأملك مفتونة نشوى، وكأنني اكتشفت في أعماق عينيك مغارة مسحورة ياقوتية الجدران، تومض كنوزها المكدسة قوس قزح وديع الهدوء، يترسب في حواسي، ويغمرها بخدر لذيذ .. لا يعكره سوى همسات الزملاء الذين ركزوا اهتمامهم على التيارات اللامرئية الهادرة بين مقلتي وشفتيك .. لذا لم أتردد في للخروج معك حينما اقترحت عليّ بصوت مبهم النبرات أن نستمر في " البحث عن أختك " خارج الجامعة ! وارتمين شبه حالمة في زرقة سيارتك لنضيع معا في شوارع المدينة التي لم تبد كئيبة كعادتها .. وأدركت أنك بدأت تتسلل إلى أعماقي .. ولما جئت مع مساء اليوم التالي، عرفت أنك لم تأت باحثاً عن أختك .. وأسندت وحشتي إلى سأمك وانطلقنا بهما إلى الغوطة حيث وأدناهما قرب خيمة ناطور أغرتنا نيرانه بالاقتراب منه وإلقاء التحية عليه .. وجلست ترقب رقصة الوميض على جانب وجهي، بينما أنا أعبّ القهوة العربية، والقمر يستند على جانب الخيمة حينا، وتختطفه أرجوحة الرياح الغمامية حينا آخر ... مازلت في أعماقي !! .. تضحك زرقة عينيك لكآبتي . المنحنى قد غيّب الجامعة عن أنظاري .. والوحشة ترتّل أنات الفراق في دبي .. وأنا اسير إلى غرفتي الباردة وأهذي .. أمواج المساء لم تعد تنحسر عن ضياء عينيك. بحاري الكئيبة لم تترقب رنين مرساتك الذهبية في أبعادها السحيقة .. أسير .. وأتعثر وحيدة كطفل جائع في معبد مهجور، مازالت رائحة دم حار تسيح من جدرانه المرعبة .. وأنت .. مازلت في أعماقي ! تمسح الطين عن جسدي بأهدابك .. وصوتك الذائب، صوتك الملون مازال يعربد في عروقي مبتلا بالمطر .. مطر دافئ كان يغسل نوافذ سيارتك " الهائمة في غوطة دمشق " وتتمسك قطراته بالزجاج، وتحدق بفضول على الداخل .. إلى حيث الدفء .. إلى حيث أنا وأنت ذرّتا رمل جمعتهما العاصفة في شاطئ صخري .. وتظل حبات المطر تنزلق ببطء منصتة لهمساتنا .. - اقتربي مني يا رندة .. اسكبي الألوان في الأشياء التي أضحت باهتة كالأشباح .. اضرمي النيران في وحشتي ففي نفسي جوع إلى النور .. ضمّي وحدتك وتشردك إلى لهفتي وفراغي .. وأقترب منك .. ألتصق بذراعك الأيمن وأرمي بأثقال رأسي إلى كتفك : - مذ حضرت من بلدتي الصغيرة وانتسبت إلى الجامعة ومدينتكم وحش يخيفني .. - ماذا يخيفك فيها يا حلوتي ؟ - لكل شيء طابع لا إنساني هنا .. أسمع ضجيجا وعويلاً أرى مصدره .. تنبع من الزوايا المظلمة صرخات بلا شفاه .. تتفجر من شقوق أحجار الشارع دماء بلا جراح .. الزيف يلون كل شيء بكآبة باهتة صفراء .. وفجأة توقف سيارتك وتلتفت إليّ وكأنما روّعتك حرقتي وأثارت حنانك .. وتتجمع قطرت المطر بفضول حول النوافذ كلها وتظل تنصت بينما أنا أهذي شبه باكية : - كنت أخرج من الجامعة مساء، أدور في الشوارع وأبحث عبثاً عن ظلي . واكتشفت أن كل شيء في مدينتكم مزيف، حتى النور الأبيض الفاجر محروم من الظلال من الظلال التي تكسبه مسحة حزن إنساني مستكين .. - يا غجريّتي الصغيرة الضائعة .. - كنت أصرخ بوحشية كلما كفّنني صمت غرفتي لعلّي آنس بصدى .. ولكن الجدران بخيلة حتى بالصدى !! .. وأضربها بقبضتي .. أحاول أن أغرس أظافري في أحجارها الصلدة .. وأنشج .. وعبثاً أنتظر أي وتد حقيقي في عدمي المريع .. لا ظل .. لا صدى .. لا شيء .. لا شيء حتى وجدتك .. وتزداد اقتراباً مني .. ويخيل غلّ أنك تريد أن تلتقط بشفتيك كلماتي المتعثرة فوق عنقي وذقني قبل أن تتناثر في فضاء السيارة الدافئ .. - كنت أتشرد كل ليلة في دربي المقفر .. أحس بملايين الأيدي الخفية تضغط على عنقي .. تسمرني في الشوارع عارية تحت أسياخ المطر الباردة .. تحملني من شعري بقسوة وتدلي بي في البرك الموحلة .. وتظل تنقلني بين الآبار المتجمدة و أتخبط في الهواء، لا أقبض إلا على حزم الريح، لا أقبض على شيء ! لا شيء حتى وجدتك .. ولن أفقدك لأي سبب في العالم .. وأشدد قبضتي على ذراعك بينما تتحسس يداك ظهري وتبعثان رعدة دافئة في جسدي المنهك .. وتهتف بي : - أنت ترعبينني بهذه الأفكار ! .. - بل إنها ترعبني أنا بالذات .. لم أجرؤ قط على الاعتراف بها لنفسي وأنا وحيدة .. أما الآن .. وأنا أمام صدرك .. وقاطعتني هامسا بحرارة : - بل أنت تغفين في صدري .. تتبعثرين في الدم الذي يتدفق في كل ذرة من كياني .. ويسعدني دفء أهدابك التي تمسح الطين عم جسدي وأنا أهذي : - كم تعثرت في برك الطين ولطختني الأوحال .. وأنا أحسن أن قطرات المطر مدببة الجوانب وخّازة الحواف .. تنغرس في خدي بينما بردها الكاوي يلهب عذابي .. - والآن يا رندة ؟ .. - تبزغ شمس في كل قطرة مطر .. وأشدك إلى صدري بكل قواي .. أفتّتك ذرّات، وأسحقك ذرّات، وتنسلّ كل ذرة من إحدى مسامي إلى أعماقي .. إلى حيث ينضم بعضها إلى البعض الآخر من جديد .. وأحس أنك حي تعربد في الحنايا والضلوع .. وتهتف بنشوة : - أيتها الغجرية الهاربة من منابع الشمس .. ألا ترين أن الصقيع أدماني ؟؟ .. وأحدق إلى الشعيرات البيض التي تسلّلت إلى شعرك، ويخيّل إليّ أن ثلجاً لئيماً يتمسك بها .. وأحاول إذابته بشفتي الملتهبتين وأنا ألثمها شعرة إثر شعرة ... |
||||||
06/10/2007 | #16 | ||||||
مشرف
|
وتبعدني عنك ضاحكا، وتمسك بوجهي بكلتا يديك، فتتألق حلقة ذهبية في بنصر يدك اليسرى طالما رأتها من قبل .. وأسألك بكثير من اللامبالاة : - منذ متى تزوجت ؟ - منذ سبع سنوات .. ما يهمني سواء كنت متزوجا أم لا ؟ .. أنا وحيدة .. وحيدة .. يدي المتخبطة في فراغ الذعر لن تسأل اليد التي تعلق بها : كم عمرها ؟ لمن كانت من قبل .. حسبي أنها يد إنسان .. حسبي أنها يدك يا أغلى غالي .. ويخيّل إليّ أن ذرّات الظلام تتفجر حول شفتي، وأن قطرات المطر تقفز مذعورة عن النافذة وأنا أسألك : - هل لك أولاد ؟؟ - صبي وبنت !! حاولت أن أرسم في ظلمة السيارة صورة لصبي وبنت يتعلقان بثيابك كلما دخلت دارك .. وزوجة تكشف لك طبق الطعام على المائدة، ويتصاعد البخار فيغطي وجهها بينما تحوط يداك خصرها كأي زوج .. لم أستطع .. حاولت أن أخجل من نفسي أن أتذكر ما تعلمته في بلدتي المنعزلة .. لم أستطع .. خيّل إليّ أن جميع أطفال العالم قد ذهبوا في حلقات متماسكة الأيدي إلى كوكب سحيق البعد .. وأن الطعام بارد على منضدتك .. وأن زوجتك لا تغري بالتقبيل .. وأن يديك لم تخلقا إلا لتضماني هكذا .. هكذا .. وتظل قطرات المطر تتمسح بزجاجنا منصتة .. وأبخرة الدفء تتكاثف في الداخل حتى لا تعود القطرات الفضولية ترى شيئا .. وحتى لا تعود تسمع شيئا بعد أن تخفت همساتنا، وتستحيل إلى قبل مكتومة .. فتهوي إلى التراب وتمتزج به في عناق وديع الاستسلام .. وتنفض عن عشنا الأزرق ذرّات المطر ونحن ننطلق من جديد إلى أعماق الغوطة، إلى حيث تلوح خيمة الناطور ذي الوجه الباش والكلب الأبيض الودود .. وتوقف هدير المحرك وأنت تسألني ككل ليلة : - ما رأيك بفنجان دافئ من القهوة ؟ ويتلوى شبابي طربا ً .. وأجيبك بفتح باب السيارة والقفز منها غير عابئة بالمطر .. وتركض يدي في يدك إلى الخيمة ونجلس أمام نيران الناطور طفلين في الغاب هربا من مذبح مرعب نذرا فيه قربانين لإله أحمر العينين .. وتتعانق نظراتنا بين أحضان اللهب الذي يزداد تأججاً .. والناطور يرقبنا ببهجة فطرية طالما افتقدتها في أعين العابرين من أهل المدينة . حتى إذا ما سرى في عروقنا دفء قهوته العربية، عدنا إلى عشنا الأزرق حيث تلتقط بشفتيك حبات المطر العالقة بأهدابي .. ويغيبنا المنحنى الرمادي .. لماذا أستعيد هذا كله الليلة مادمت قد مضيت ؟ .. أنا أعرف أننا لن نعود نلمّ الحنين .. لن نشرب القهوة العربية عند خيمة القمر .. لن تلتقط بشفتيك حبات المطر عن أهدابي .. مضيت .. دون أن نتشاجر مرة واحدة .. دون أن نختلف في رأي .. كان كل شيء على حاله يوم افتراقنا .. الطريق ينزلق بهدوء تحت عجلات عشنا الأزرق .. والاطمئنان يسبل جفنيه النديين على قلبينا، وأنا أدفن قُبلي بين عنقك وياقة معطفك، وأغمغم ببساطة : لم تعد المدينة ترعبني منذ تمددت في زرقة عينيك .. ستكون لي أبداً، أنت والمطر، والقهوة عند خيمة القمر .. - نكاد نصل يا رندة، ارتدي معطفك . لا أريد أن يصيبك البرد . وأنهض على ركبتي، ووجهي متجه نحو المقعد الخلفي كي ألتقط معطفي الذي رميته هناك كعادتي كل ليلة .. وفجأة .. أراها هناك ! .. فردة حذاء طفل تبسم في وجهي بسخرية ممزقة ! .. فردة حذاء طفل منسية سقطت من قدم ابنك بينما زوجتك تحمله وهي تهبط به من سيارتكما .. أجمد ! .. يغمرني خجل مذعور مفاجئ .. وكعادتك تظل قابضاً على المقود بيدك اليسرى بينما تحوط خصري باليمني وتجذبني إلى صدرك ضاحكاً مداعباً .. لا أغمر وجهك بقبلي اللاهثة .. أظل زائغة التعبير مجمدة النظرات إلى الوراء، حيث ترمي ببصرك متسائلاً .. وتراها كما أرها .. لا شيء .. مجرد فدرة حذاء طفل تبسم بسخرية ممزقة !! .. وأدرك أنك تفهمني تماماً .. لا حاجة بي إلى الكلام مادمت تسمع هذيان صمتي المحموم .. توقف سيارتك ويخيل إليّ أن صوتك انبعث متعبا هدته الليالي وأنت تقول : - لقد وصلنا .. هل أنتظرك غدا كالعادة ؟ وأجيبك ونظراتي مشدودة إلى فردة حذاء طفلك الساخرة : - لا .. لم يعد ذلك ممكنا .. أليس كذلك ؟ .. كان ذلك آخر نقاش دار بيني وبينك .. لكني أحسست ساعتئذ أن الرياح قد حطمت نوافذ عشنا إلى الأبد .. ونظرت على صدرك، إلى حيث تسحقني كل ليلة مودعا، وخيل إليّ أن جميع أطفال العالم عادوا منشدين من كهوفهم السحيقة، وتبعثروا على صدرك، بأطرافهم الشفافة وأجسادهم الهشة ورؤوسهم الدقيقة .. يكفي أن أحاول لمسهم حتى يتناثروا أشلاء بريئة بين أصابعي الدموية ومخالبي المرعبة .. وأردت أن تضمني مودعاً لكنني هربت .. هل كنت تريد أن نسحق صرخاتهم بين جسدينا ؟؟؟ .. أن نلطخ أكتافنا وأذرعنا بطفولتهم الشفافة الدقيقة ؟ أما يكفينا عذابنا ؟؟ .. ومددت يدي أصافحك، وكان الصمت يهذي، وكانت أعيننا تنضح دموعها إلى الداخل .. إلى الأعماق .. وكانت ثورة شعري المبعثر تبكيك .. وكان عذابي ينشج بسكون .. واختطفت معطفي وأنا أتحاشى النظر إلى فردة حذاء الطفل المنسية التي ظلت تبسم بوداعة دافئة حينما هبطت من العش الكسيح .. إلى الأبد .. ولما ضمني برد غرفتي، رأيتك بين أشباح السقف تدخل دارك الدافئة .. أطفالك يتمسحون بثيابك وأنت تنحني إلى الأرض لتدخل في قدم ابنك فردة حذائه الضائعة بحنان دقيق .. وتُقبل زوجتك سمينة متدحرجة .. فتقبّل خديها اللذين تفوح منهما رائحة طعام شهي .. ورأيتكم جميعا بوضوح .. وأدركت أنني لم أعد أستطيع انتزاعك من إطارك الحقيقي لأطير بك إلى مغاوري الفضية في جبال القمر .. لم أعد أستطيع .. ولكنك مازلت في أعماقي ! تتمطى وتحدثني وأنا أخرج من الجامعة كل ليلة .. يبتلعني بحر الظلام الكئيب وتحملني أمواجه إلى غرفتي الباردة . أدرس أحياناً، وأكتب الرسائل المطولة إلى أمي وأبي .. وأنت تنزلق بين الكلمات .. تستلقي على الحروف وتقفز فوق النقاط وتهمس بين السطور .. وأنت تتسلق الصفحات وتظل زرقة عينيك تبسم .. مازلت في أعماقي .. تمسح الطين عن جسدي بأهدابك ! وأنا أسير وقد اختفت الجامعة تماماً .. البرق يلتمع ويضيء البقعة التي كنت تربض عندها بسيارتك منتظراً أن أصل إلى البوار .. أسير بحذر وأشد كتبي إلى صدري والمطر يتسلل على جسدي .. وأنت مازلت في أعماقي تهمس " اقتربي يا رندة، في نفسي جوع إلى فجور النور " .. الدموع تتفجر في عيني وتضيع مع المطر المتدفق .. موضع عجلاتك الراحلة يهذي .. ينهش من قدمي وأنا أمر وأمزق الذكريات مع ضربات حذائي .. وتصرخ يدي .. تريد أن تمتد لتفتح الباب كما كانت تفعل .. وتصرخ قدماي .. تريدان الصعود على دفئك الملون .. ويصرخ جسدي حيث طحنتك ذرّات تسللت من مسامي إلى أعماقي وتتلوى نظراتي .. تحن إلى التمسح بالشلال الأزرق الهادر من العينين .. ويظل صوتك يهمس من أغوار سحيقة مرعبة : " غجريتي الهاربة من منبع النور، ألا ترين أن الصقيع أدماني ؟ " وأحسن أني ظمأى .. ظمأى لشفتيك تجمعان المطر عن أهدابي .. ظمأى لخيمة القمر وقدح القهوة الدافئ وضحكاتنا الغجرية في كبد الليالي .. أنا ظمأى إليك وأنت تتمطى في أعماقي ببساطة مرهقة ! غربان القدر تنهش عيني الناطور قرب خيمته الممزقة .. رياح الشتاء تذرو رماد نيرانه .. والأمطار تغسل الحمرة عن جمراته حيث تترسب ليالي العذاب سوداء فاحمة .. الرمال أفاع تزحف لتغطي كل شيء .. الكلب يعوي في الخواء منتحبا . وأنا هنا .. وقد عادت الأيادي الخفية تضغط على عنقي .. تسمّرني في الشارع عارية تحت أسياخ المطر .. تحملني من شعري بقسوة وتدلي بي في البرك الموحلة والآبار المتجمدة .. وأشد وشاحي إلى رأسي .. أشده .. وأظل أشعر أن الأيدي تجذبني من شعري .. وأمضي إلى غرفتي .. لا أحلم بأكثر من جدران لا تبخل على وحشتى بصدى . |
||||||
06/10/2007 | #17 | ||||||
مشرف
|
|
||||||
07/10/2007 | #18 | ||||||
مشرف متقاعد
|
شجرة الشّط أنيسة عبود ... وأنا على الشط.. البحر يلعب معي مرة. ومرة يضربني بقوة غاضباً أو جارفاً ثيابي ومرات يهدر. يهدر. ويملأ المكان بالضوضاء. هي ليست ضوضاء. بل إنه إله الحزن على تفتته وتمزقه والحزن على سجنه الأبدي.. يريد الخروج ولكن كيف..؟ إنه كالحوت المربوط إلى صخرة.. كالتنين المحبوس في خرم إبرة.. لماذا أيها البحر كل هذا الغضب وكل هذا الحزن.. في جوفك الحوريات واللآلئ والأسرار.. أيها البحر كم مرة تمنى السجين العودة إلى سجنه.. أصدقاء نحن.. أنا والبحر والمدينة.. لا أحد يعرف اسمي. ولا أحد يجزم باسمي.. منذ عقود كثيرة أقف شاهدة على المدينة وعلى أفراحها وأحزانها.. منذ عقود وأنا وحدي ألوح للشمس عندما تغرب وأحزن عندما تنام المدينة ويبقى البحر بجواري يصرخ.. سأكتب اسمك على شجرة البحر.. قال محمود لحبيبته وهو يمسك يدها ويتجه إلى الشجرة القابعة بصمت على الشط.. ابتسمت ليلى خجلة وسألت: -ما عمر الشجرة يا محمود..؟ -لا أعرف... يقولون إنها أقدم من المدينة.. -سأظل أحبك طالما أسمي على الشجرة. أخذ محمود سكيناً حادة وراح يحفر اسم ليلى بين آلاف الأسماء المزروعة على الشجرة هذا اسم هند وعارف.. وهناك اسم لامرأة صارت عجوزاً.. وهناك اسم لشاب.. غرق في البحر.. وهنا تاريخ ولادة ابنة الباشا... تقرأ ليلى الكثير من الأسماء ثم تهمس.. سيقرؤنا الآخرون أليس كذلك..؟؟.. -لن يعرفنا أحد.. إنها مجرد أسماء. -ولكن الشجرة تعرف.. -أجل.. تعرف.. يأتي الصيف ويرحل.. تغادر النوارس.. ويخلو المكان إلا من بعض العشاق يبثون أشواقهم قرب الشجرة.. صارت رمزاً للحب ولحفظ الأسرار.. وصار العشاق يقسمون بالشجرة.. البحر يرنو إليها.. والقوارب تأتي وتروح.. تلوح لها الغيوم والمصابيح وشوارع المدينة.. هذه الشجرة مقدسة يا أم كامل.. لم يستطع البحر رغم جبروته أن يقتلعها.. لقد فاض منذ خمسين سنة وجرف البيوت القريبة والمقاهي ولم يستطع أن يجرفها.. لقد شاهدت في منامي أنني أشرب منقوع أوراقها كي أشفى من الروماتيزم.. ما رأيك؟. -الله قادر على كل شيء.. لنذهب غداً ونجرب.. نقطف الورق ونغليه. -لنجرب يا أم كامل.. كل يوم تنام تحت الشجرة.. يا محمود..؟؟ -استغفري ربك يا حرمة.. أكون متعباً ويائساً من قلة السمك.. أو تكون شباكي ممزقة أصلحها تحت الشجرة.. -لا بل تذهب لأن الفتيات يقصدنها باستمرار.. يعلقن بها حجب الحب والغرام.. -وأنا ما علاقتي.. علاقتك أنك تراقبهن لعل واحدة تقع في غرامك..؟ تنهد محمود وهو يرنو إلى الشجرة.. مد يده.. تلمس جذعها بحنو.. كاد أن يبكي.. لم يعد له من لحظات السعادة إلا الجلوس تحت هذه الشجرة يراجع حسابات الزمن ويشكو أوجاعه إلى هذه الظلال الكثيفة.. البحر صامت.. والشجرة صامتة ومحمود صديق هذه الشجرة منذ خمسين سنة.. منذ أن كان طفلاً، لقد هرم والشجرة لم تهرم.. إنها كما هي يوم رآها لأول مرة.. ويوم كتب اسمه واسم حبيبته ليلى.. لكن الزمن فرقهما وتزوج غيرها.. "أتذكرين يا شجرة البحر". طفرت دمعته وهو يخاطب الشجرة.. كان حفيف الأوراق كافياً بالنسبة له ليستمر بالشكوى والشجون.. نظر إلى يديه.. جلدهما متشقق.. مترهل، تجاعيد كثيرة تتشعب على سطحهما... شتم الزمن الذي هو سبب الشقاء. استدرك.. وشتم الباشا الذي يحكم المدينة وهو ينهض عائداً إلى المنزل.. وأنا على الشط.. خلفني الزمن كصخرة.. أشهد الدموع والتنهدات.. وأسجل بين أوراقي كل ما يدور في المدينة.. مرة فاض بي الصمت.. أردت أن أقول رأيي، والأزمنة تعبرني.. والناس يتغيرون –والملوك يظلمون- ولكن زجرني البحر وقال: كوني مثلي.. إني استذكر الذين رحلوا والذين سيأتون.. أستذكر الأيدي الملوحة والدموع النافرة.. وتعتريني نهدة حزن لا أعرف عمرها.. أرسل بالموج يصفع الصخور.. يفتتها وهي لا ذنب لها إلا أنها قانعة صامتة صابرة.. -ماذا في المدينة.. أصبغة تراق على الشوارع والجدران.. أطفال يحملون المكانس ينظفون المدينة.. عسس يتجولون.. هنا يقطعون الأشجار وهناك يزرعون.. يحفرون أيضاً وهناك يبنون.. أي حدث جلل في المدينة ينتظرون.. أيها الغارقون في النوم.. ماذا تقول أحلامكم.. وماذا أنتم فاعلون..؟ الباشا سيزور المدينة.. الباشا المبجل المعظم سيأتي هذا العام ليصطاف في المدينة.. وهو بحاجة إلى كرسي فاخر ليجلس عليه في قصره الجديد.... هيا أيها النجارون... وراحت الفؤوس والرؤوس تبحث عن شجر مناسب لفخامة الباشا ليكون مقعداً وملاذاً وسريراً.. تسلل محمود من فراشه و كان نائماً قرب زوجته وراح باتجاه قصر الباشا.. راودته أفكار كثيرة.. قلب صفحات كثيرة من الزمن.. وقف عند باب الباشا وكان الصباح غسقاً والنجوم تتهيأ للنوم.. قرع الباب بقوة فأفاق الحراس.. -ما الذي أتى بك أيها المجنون في هذه الساعة..؟؟ -أمر جلل أريد أن أحدث.. الوالي به. -الوالي سهران مع جارية.. -قل لنا ونحن نقول له.. -لا. أريد أن أقابله.. ودخل محمود وهو يتخبط بين الدخول والخروج وعندما شاهد الوالي أراد أن يخرج لكن الوالي نهره وقال: تعال هنا.. ما الأمر.. اقترب محمود وقال متلعثماً.. سمعت يا مولاي أنكم بحاجة إلى خشب نادر وخاص لصنع كرسي العرش وسرير وطاولة لتكون طاولة الشورى.. وبما أني ابن هذه المدينة البارة لذلك أريد أن أخبرك عن شجرة فيها الصفات التي تريدها.. -أعطوه مكافأة ألف دينار.. لكن أي نوع من الأشجار..؟ -إنها شجرة البحر يا مولاي.. -شجرة البحر..؟؟ أجل.. هيه.. أيتها الشجرة.. ماذا يفعلون..؟؟ نادى البحر الشجرة فلم تجب.. ها هي ترى كيف يهيئون لها السيوف والبلطات والفؤوس عروها من أغصانها واحداً.. واحداً ثم أتوا بحصان الدالي الذي راح يقضم الأغصان والأوراق.. ها هي عبارة عن ساق تكسوها الأسماء ووراء كل اسم قصة.. آلاف القصص مكتوبة على جذعها شرعت وجهها للسماء عارية.. ها هو المنشار.. راح المنشار يحز جذعها.. تقشرت بعض الأسماء.. سقطت على الأرض.. هبت رياح قوية وذرت القشور والأوراق.. خاف الوالي وراح بعيداً. كانت الدموع تسيل من الأغصان المقطوعة وهم يحاولون نشر الجذع.. لم يستطيعوا جرح خاصرة الشجرة.. تفتت قطعاً صغيرة.. بكت الشجرة.. صمت البحر، وتحرك الموج بطيئاً.. إنه يسمع أنين الشجرة ويسمع نحيبها الذي ملأ الفضاء الرحب على شكل هبات ريح قوية. كانت أم كامل في منزلها تمشط شعرها الأبيض.. طار المشط من يدها.. دهشت زمجر منقوع ورق الشجرة في زجاجة أم كامل.. أدركت العجوز أن الشجرة في خطر فاتجهت تركض إلى البحر. اتركوا الشجرة.. إنها مباركة. مقدسة. قالت أم كامل.. لم يكترث أحد لذلك.. اتركوها.. قالت وراحت ترمي نفسها عند جذوع الشجرة. نهرها الرجال.. جروها بعيداً: "مجنونة". كل الأشجار قابلة للقطع". وأخذ المنشار يحز. يحز.. تكسرت أسنان المنشار وجرحت يد أحد الرجال.. فأتى آخر يحمل فأسه وراح يتحدى بقوة (يضرب ويضرب.. والريح تشتد..) كان الأنين يتعاظم ويشتد وقره في أذن العجوز. وكان البحر صامتاً صابراً.. وقف الرجال عاجزين يتنهدون منهكين... وما أن اقترب محمود الصياد حتى نهرهم وقال: ابتعدوا هذه الشجرة أعرفها كما أعرف زوجتي.. إنها تحتاج إلى فارس قوي هاتوا الفأس. فأس تعلو.. تهبط.. تعلو.. أنين.. نثرات تطير وتدخل العيون.. نثرات.. ومحمود يتلوى وينحني.. والشجرة تئن.. كأنها بشر سوي.. وكأنها تعاتب محموداً.. "خمسون عاماً من العشرة يا محمود". "اخرسي.. ومكافأة الوالي ورضاه..؟!". وهدرت الريح.. والمدينة كلها ترنو.. وتشهد شجاراً حاداً بين محمود والشجرة.. أتتحدينني..؟؟ وأخذت الشجرة تتهاوى.. بكت أم كامل.. وبكى عشاق آخرون.. أخذا يجمعون النثرات.. صعد البحر إلى أعلى.. أعلى.. ابتعد الوالي ومع ذلك ذهب حذاؤه مع الموج.. ركضوا كلهم باتجاه الوالي يقدمون أحذيتهم له.. الشجرة تميل. والعيون ترنو. محمود يتصبب عرقاً وهو يضطرب كثور هائج.. راح المنشار يأكل الجسد القديم.. يأكل الأسماء والأزمنة.. والشجرة تهوي. ثم.. ثم بكل ثقل زمن الصداقة مع محمود.. بكل ثقل ظلالها التي خبأت أجساداً وأسراراً سقطت على رأس محمود فدوى انفجار وتصاعد غبار وانشق رأس محمود.. سال دمه حتى وصل الموج فصنع مع الموج المتحرك خطاً أحمر عريضاً يتعرج مع الصخور.. زغردت أم كامل ومضت يتبعها عشاق وأسماء.. |
||||||
|
|