س و ج | قائمة الأعضاء | الروزناما | العاب و تسالي | مواضيع اليوم | بحبشة و نكوشة |
|
أدوات الموضوع |
24/12/2007 | #1 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
أحمد عبدالمعطي حجازي
أحمد عبدالمعطي حجازي (مصر). ولد عام 1935 بمدينة تلا - محافظة المنوفية - مصر. حفظ القرآن الكريم, وتدرج في مراحل التعليم حتي حصل على دبلوم دار المعلمين 1955 , ثم حصل على ليسانس الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة 1978, ودبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي 1979 . عمل مدير تحرير مجلة صباح الخير ثم سافر إلى فرنسا حيث عمل أستاذاً للشعر العربي بجامعاتها ثم عاد إلى القاهرة لينضم إلى أسرة تحرير (الأهرام). ويرأس تحرير مجلة (إبداع). عضو نقابة الصحفيين المصرية ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة, والمنظمة العربية لحقوق الإنسان. دعي لإلقاء شعره في المهرجانات الأدبية, كما أسهم في العديد من المؤتمرات الأدبية في كثير من العواصم العربية, ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. دواوينه الشعرية: مدينة بلا قلب 1959 - أوراس 1959 - لم يبق إلا الاعتراف 1965 - مرثية العمر الجميل 1972 - كائنات مملكة الليل 1978 - أشجار الإسمنت 1989 . مؤلفاته: منها: محمد وهؤلاء - إبراهيم ناجي - خليل مطران - حديث الثلاثاء - الشعر رفيقي - مدن الآخرين - عروبة مصر - أحفاد شوقي. حصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية 1989 . ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية وغيرها. عنوانه: 95 شارع الحجاز ـ مصر الجديدة ـ القاهرة. |
24/12/2007 | #2 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
سلّة ليمون
سلّة ليمون ! تحت شعاع الشمس المسنون و الولد ينادي بالصوت المحزون " عشرون بقرش " بالقرش الواحد عشرون ! " *** سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر كانت حتّى هذا الوقت الملعون ، خضراء ، منداة بالطلّ سابحة في أمواج الظلّ كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير أوّاه ! من روّعها ؟ أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر ! حملتها في غبش الإصباح لشوارع مختنقات ، مزدحمات ، أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟ تمشي بحريق البنزين ! مسكين ! لا أحد يشمّك يا ليمون ! و الشمس تجفف طلّك يا ليمون ! و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات عشرون بقرش " بالقرش الواحد عشرون ! " *** سلّة ليمون ! تحت شعاع الشمس المسنون و قعت فيها عيني ، فتذكّرت القرية ! ------ ( أواخر 1957) |
24/12/2007 | #3 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
لمن تغنّي ؟ !
من أجل أن تتتفجّر الأرض الحزينة بالغضب ، و تطلّ من جوف المآذن أغنيات كاللّهب ، و تضيء في ليل القرى ، ليل القرى كلماتنا ، ولدت هنا كلماتنا ولدت هنا في اللّيل يا عود الذرة يا نجمة مسجونة في خيط ماء يا ثدي أمّ ، لم يعد فيه لبن يا أيّها الذي ما زال عند العاشره لكنّ عينيه تجوّلتا كثيرا في الزمن يا أيّها الانسان في الريف البعيد يا من تعاشر أنفسنا بكماء لا تنطق و تقودها ، و كلاكما يتأمّل الاشياء و كلاكما تحت السماء ، و نخلة ، و غراب ، و صدى نداء يا أيّها الانسان في الريف البعيد يا من يصمّ السمع عن كلماتنا أدعوك أن تمشي على كلماتنا بالعين ، لو صادفتنا كيلا تموت على الورق أسقط عليها قطرتين من العرق ، كيلا تموت فالصوت إن لم يلق أذنا ، ضاع في الصمت الأفق و مشى على آثاره صوت الغراب ! *** كلماتنا مصلوبة فوق الورق لمّا تزل طينا ضريرا ، ليس في جنبيه روح و أنا أريد لها الحياة ، و أنا أريد لها الحياة على الشفاه تمضي بها إلى شفه ، فتولد من جديد ! *** يا أيّها الانسان في الريف البعيد ! أدعوك أن تمشي على كلماتنا بالعين ، لو صادفتها ، أن تقرأ الشوق الملحّ إلى الفرح شوقا إلى فرح يدوم فرح يشيع بداخل الأعماق ، يضحك في الضلوع كي تنبت الأزهار في نفس الجميع كي لا يحبّ الموت إنسان على هذا الوجود *** ولدت هنا كلماتنا لك يا تقاطيع الرجال النائمين على التراب المائلين على دروب الشمس ، و البط المبرقش ، و السحاب فوراء سمرتك الحيّية يلتوي نهر الألم و بجانب العينين طير ، ناصع الزرقه مدّ الجناح على اصفرار كالعدم و هفا ليرتشف الدموع إنّي أحبّك أيّها الانسان في الريف البعيد ! و إليك جئت ، و في فمي هذا النشيد يا من تمرّ و لا تقف عند الذي لم يلق بالا للسكرارى و الستائر و الغرف و أتى إليك ، إلى فضائك بالنغم نغم تلوّعفي فؤادي قبلما غنّيت لك فأنا الذي عالجت نفسي بالهوى ، كي تخرج الكلمات دافئة الحروف و أنا الذي هرولت أيامنا بلا مأوى ، بدون رغيف ، كي تخرج الكلمات راجفة ، مروّعة بكلّ مخيف ، و أنا ابن ريف ودّعت أهلي وانتجعت هنا ، لكنّ قبر أبي بقريتنا هناك ، يحفّه الصبّار و هناك ، ما زلت لنا في الأفق دار ؟ *** أين الطريق إلى فؤادك أيّها المنفيّ في صمت الحقول لو أنّني ناي بكفّك تحت صفصافه ! أوراقها في الأفق مروحة ، خضراء هفهافه لأخذت سمعك لحظة في هذه الخلوه ، و تلوت في هذا السكون الشاعري حكاية الدنيا ، و معارك الانسان ، و الأحزان في الدنيا ونفضت كلّ النار ، كلّ النار في نفسك و صنعت من نغمي كلاما واضحا كالشمس عن حقلنا المفروش للأقدام ، و متى نقيم العرس ؟ و نودّع الآلام ! ------ ( أغسطس 1957) |
24/12/2007 | #4 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
الطريق إلى السيّدة
يا عمّ .. من أين الطريق ؟ أين طريق " السيّدة "؟ - أيمن قليلا ، ثمّ أيسر يا بنيّ قال ,, و لم ينظر إليّ ! *** و سرت يا ليل المدينة أرقرق الآه الحزينة أجرّ ساقي المجهده ، للسيّدة بلا نقود ، جائع حتّى العياء ، بلا رفيق كأنّني طفل رمته خاطئة فلم يعره العابرون في الطريق ، حتّى الرثاء ! *** إلى رفاق السيّده أجرّ ساقي المجهده و النور حولي في فرح قوس قزح و أحرف مكتوبة نم الضياء " حاتي الجلاء " و بعض ريح هيّن ، بدء خريف تزيح عقصة مغيّمة ، مهمومة على كتف من العقيق و الصدف تهفهف الثوب الشفيف و فارس شدّ قواما فارغا ، كالمنتصر ذراعه ، يرتاح في ذراع أنثى ، كالقمر و في ذراعي سلّة ، فيها ثياب ! *** و الناس يمضون سراعا ، لا يحلفون ، أشباحهم تمضي تباعا ، لا يتظرون حتّى إذا مرّ الترام ، بين الزحام ، لا يفزعون لكنّني أخشى الترام كلّ غريب ههنا يخشى الترام ! و أقبلت سيّارة مجنّحة كأنّها صدر القدر تقلّ ناسا يضحكون في صفاء أسنانهم بيضاء في لون الضياء رؤوسهم مرنّحة وجوههم مجلوّة مثل الزهر كانت بعيدا ، ثمّ مرّت ، واختفت لعلّها الآن أمام السيّده و لم أزل أجرّ ساقي المجهده ! *** و الناس حولي ساهمون لا يعرفون بعضهم .. هذا الكئيب لعلّه مثلي غريب أليس مثلي غريب أليس يعرف الكلام ؟ يقول لي .. حتّى .. سلام ! يا للصديق ! يكاد يلعن الطريق ! ما وجهته ؟ ما قصّته ؟ لو كان في جيبي نقود ! لا . لن أعود لا لن أعود ثانيا بلا نقود يا قاهره ! أيا قبابا متخمات قاعده يا مئذنات ملحده يا كافره أنا هنا لا شيء ، كالموتى ، كرؤيا عابره أجرّ ساقي المجهدة للسيّده ! للسيّده ! -------- ( نوفمبر 1955) |
24/12/2007 | #5 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
كان لي قلب !
على المرآة بعض غبار و فوق المخدع البالي ، روائح نوم و مصباح .. صغير النار و كلّ ملامح الغرفة كما كانت ، مساء القبلة الأولى و حتّى الثوب ، حتّى الثوب و كنت بحافّة المخدع تردّين انبثاقة نهدك المترع وراء الثوب و كنت ترين في عيني حديثا .. كان مجهولا و تبتسمين في طيبة و كان وداع ، جمعت اللّيل في سمتي ، و لفّقت الوجوم الرحب في صمتي ، و في صوتي ، و قلت .. وداع ! و أقسم ، لم أكن صادق و كان خداع ! و لكنّي قرأت رواية عن شاعر عاشق أذلّته عشيقته ، فقال .. وداع ! و لكن أنت صدقت ! *** و جاء مساء و كنت عل الطريق الملتوي أمشي و قريتنا .. بحضن المغرب الشفقي ، رؤى أفق مخادع التلوين و النقش تنام على مشارفها ظلال نخيل و مئذنة .. تلوّي ظلّها في صفحة الترعه رؤى مسحورة تمشي و كنت أرى عناق الزهر للزهر و أسمع غمغمات الطير للطير و أصوات البهائم تختفي في مدخل القرية و في روائح خصب ، عبير عناق ، و رغبة كائنين اثنين أن يلدا و نازعني إليك حنين و ناداني إلى عشّك ، إلى عشّي ، طريق ضمّ أقدامي ثلاث سنين و مصباح ينوّر بابك المغلق و صفصافه على شبّاكك الحرّان هفهافه و لكنّي ذكرت حكاية الأمس ، سمعت الريح يجهشّ في ذرى الصفصاف ، يقول .. وداع ! *** ملاكي ! طيري الغائب ! حزمت متاعي الخاوي إلى اللّقمة وفت سنيني العشرين في دربك و حنّ عليّ ملّاح ، و قال .. أركب ! فألقيت المتاع ، و نمت في المركب و سبعة أبحر بيني و بين الدار أواجه ليلي القاسي بلا حبّ ، و أحسد من لهم أحباب ، و أمضي .. في فراغ ، بارد ، مهجور غريب في بلاد تأكل الغرباء و ذات مساء ، و عمر وداعنا عامان ، طرقت نوادي الأصحاب ، لم أعثر على صاحب ! و عدت .. تدعني الأبواب ، و البوّاب ، و الحاجب ! يدحرجني امتداد طريق طريق مقفر شاحب ، لآخر مقفر شاحب ، تقوم على يديه قصور و كان الحائط العملاق يسحقني ، و يخنقني و في عيني ... سؤال طاف يستجدي خيال صديق ، تراب صديق و يصرخ .. إنّني وحدي و يا مصباح ! مثلك ساهر وحدي و بعت صديقتي .. بوداع ! *** ملاكي ! طيري الغائب ! تعالي .. قد نجوع هنا ، و لكنّا هنا اثنان ! و نعرى في الشتاء هنا ، و لكنّا هنا اثنان تعالي يا طعام العمر ! ودفء العمر ! تعالي لي ! |
24/12/2007 | #6 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
العام السادس عشر
أصدقائي ! نحن قد نغفو قليلا ، بينما الساعة في الميدان تمضي ثمّ نصحو .. فاذا الركب يمرّ و إذا نحن تغيّرنا كثيرا ، و تركنا عامنا السادس عشر *** عامي السادس عشر يوم فتحت على المرأة عيني يومها .. و اصفرّ لوني يومها .. درت بدوّامة سحر ! كان حبّي شرفة دكناء أمشي تحتها لأراها لم أكن أسمع منها صوتها إنّما كانت تحيّيني يداها كان حسبي أن تحيّيني يداها ثمّ أمضي ، أسهر اللّيل إلى ديوان شعر " يا فؤادي رحم الله الهوى كان صرحا من خيال .. فهوى اسقني ، و أشرب على أطلاله وارو عيني ، طالما الدمع روى " كنت أهوى هؤلاء الشعراء أرتوي من دمعهم كل مساء اتغنّى معهم بالمستحيل و بألوان الذبول و بأوراق الخريف و هي تعدو في يد الريح إلى غور مخيف و بطير أسود في اللانهاية راح يستفتي نواقيس الهداية باحثا في الأرض عن دود ، و عن رب جديد ! *** كنت أهوى هؤلاء الشعراء أتسامى فوق غيم نسجوه أتمطّى في بخور أطلقوه و أرى الحبّ ... شرودا ، و تهاويم ، و حزنا و المحبّ الحقّ .. من يهوى و يفنى ! و عميق الحبّ ... حبّ لم يتم ليقولوا .. يا للحن لم يتم ! *** و ليالي عامي السادس عشر كان حلمي أن أظلّ اللّيل ساهر جنب قنينة خمر تاركا شعري مهدول الخصل مطلقا فكري في كلّ السبل أتلقّى الوحي من شيطان شعري و على خدّي دمعة و على مكتبي الصامت شمعة ترسم الظلّ على وجهي الكئيب و هي تذوي في اللّهيب بينما التبغة تكوي اصبعي و حنين غامض في أضلعي لبحار ، يلعب القرصان فيها ! *** و لكم عذّبني وقت الغروب لونه الجهم الخصيب صمته ، سرب الطيور العائده و الزروع الهاجده و الثغاء المترامي من بعيد لشياه راقده و غصون التوت تمشي في الشفق عاريات . لا ورق و نعوش النور تمشي و هنا كم قلت آه ! كنت أهوى أن أموت أنتهي في عامي السادس عشر ! *** أصدقائي ! نحن قد نغفو قليلا ، بينما في الميدان تمضي ثمّ نصحو ، فاذا الركب يمرّ و إذا نحن تغيّرنا كثيرا ، و تركنا الاقبيه و خرجنا ، نقطع الميدان في كلّ اتّجاه حيث تسري نشوة الدفء بأكتاف العراه و عدونا ، نحضن الأطفال في كلّ طريق و نناغي كلّ حلوة كسكارى ، أخذتهم بعض نشوة و بأنشودة نصر و بلحن مشرق النبره عانقنا الحياه و بلغنا عامنا التاسع عشر *** أصدقائي ! ها هي الساعة تمضي فإذا كنتم صغارا ، فاحلفوا ألاّ تموتوا واحذروا عامكم السادس عشر ! |
24/12/2007 | #7 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
كائنات مملكة الليل
أنا إلهُ الجنسِ والخوفِ.. وآخرُ الذكور (أظنها التقوى وليس الخوفَ أو أني أرد الخوف بالذكرى فأستحضر في الظلمة آبائي وأستعرض في المرآة أعضائي وألقي رأسيَ المخمور في شقشقة الماء الطهور). تركت مخبئي لألقي نظرة على بلادي ليس هذا عطشاً للجنس, إنني أؤدي واجباً مقدساً وأنتِ لستِ غيرَ رمزي فاتبعيني. لم يعد من مجد هذه البلاد غير حانةٍ ولم يبق من الدولة إلا رجل الشرطة يستعرض في الضوء الأخير ظله الطويل تارة وظله القصير! **** أنسج ظلي حفرة أنسج ظلي شبكه أقبع في بؤرتها المُحْلَوْلكه بعد قليل ينطفي الضوء, وتمتد خيوط الشبكه تمسك رِجلَ الملكه! في الليل كان الصيف نائماً. لماذا لم نعد نشهد في حديقة الأرملة الشابة زواراً? لماذا لم تعد تهبُّ في أجسادنا رائحة الفل, ويمشي عطرها الفاتر في مسامِّنا?! في الليل كان الصيف, في حديقةٍ ما, نائماً عريان كان رائعاً بمعزلٍ عنا بعيداً كصبي صار في غيبتنا شاباً جميلا يعبر الآن بنا ولا يرانا آه ! كان الصيف يملأ الشهور من غير أن يلمسنا! تلك عناقيد الندى ترشح في أرنبة الأنف وفي تُويْجة النهد الصغير والجسدُ الورديُّ يستلقي على عشب السرير والفراشاتُ على الأغصان زهرٌ عالقٌ وعتمة البستان لون نائم فأمكنيني منكِ يا مليكتي إنّ أكُفَّ شجر الصبار برعمت وكاد الليل ينتهي وما زلنا نطير! أنسج ظلي برعما وكائنات شبقه أبحث عن مليكتي في غيمة أو صاعقهْ أطبع قبلتي على.. خدودها المحترقهْ منتظراً نهايتي منتظراً قيامتي فراشة, أو يرقهْ! **** آهٍ من الفل الذي يعبق في واجهة الدار من الضوء الذي يشع كالماسات في مفارق النخل من الظل الذي يلعق في الماء تجاويف الصخور! من اليمامات التي تهدل في الذكرى وتستوحي جمالنا المحجّب الأسير! من قطرة الماء التي ترشح في آنية الماء كوجهٍ من نقاءٍ خالصٍ يطلع في الصمت, وفي الظل القرير يعشق في المرآة ذاته سويعات الهجير! آهٍ من الموت الذي يظهر في رابعة النهار لصاً فاتناً فتخرج النساء ينظرن إليه والهاتٍ.. **** ويعرّين له في وهج الشمس الصدور والنحور! الليل أنثى في انتظاري. هذه مدينة عطشى إلى الحب أشم عطرها كأنه مُواء قطة أرى رقدتها في اللؤلؤ المنثور في حدائق الديجور آهٍ ! كيف صار كل هذا الحسن مهجوراً وملقى في الطريق العام يستبيحه الشرطي والزاني! كأني صرت عِنِّيناً فلم أجب نداءها الحميم المستجير تلك هي الريح العقور أحسها تقوم سداً بين كل ذكر وأنثى إنها السم الذي يسقط بين الأرض والغيم وبين الدم والوردة بين الشِّعر والسيف وبين الله والأمة بين شهوة الموت وشهوة الحضور! |
24/12/2007 | #8 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
إلى اللّقاء
( باسم الصديق رجاء النقّاش ..، أبريل 1956 ) ------------- 1 يا أصدقاء ! لشدّ ما أخشى نهاية الطريق وشدّ ما أخشى تحيّة المساء " إلى اللّقاء " أليمة " إلى اللّقاء " و " اصبحوا بخير ! " و كلّ ألفاظ الوداع مرّه و الموت مرّ و كلّ شيء يسرق الإنسان من إنسان ! 2 شوارع المدينة الكبيره قيعان نار يجترّ في الظهيره ما شربته في الضحى من اللّهيب يا ويله من لم يصادف غير شمسها غير البناء و السياج ، و البناء و السياج غير الربّعات ، و المثلّثات ، و الزجاج يا ويله من ليلة فضاء و يوم عطلته خال من اللّقاء يا ويله من لم يحب كلّ الزمان حول قلبه شتاء ! 3 يا أصدقاء ! يا أيّها الأحياء تحت حائط أصمّ يا جدوة في اللّيل لم تنم لشدّ ما أخشى نهاية الطريق أودّ ألاّ ينتهي ، و لا يضيق و يفرش الرؤى المخصّله السعيده أمامنا .. في لا نهاية مديده كأفق قرية في لحظة الشروق و الأفق رحب في القرى حنون و ناعم و قرمزي يحضن البيوت و تسبح الأشجار فيه كالهوادج المسافره يا ليتنا هناك ! نسير تحت صمته العميق و نوره المضبّب الرقيق جزيرة من الحياه ينساب دفء زرعها على المياه و لا تملّ سيرها .. يا أصدقاء ! 4 اللّيل في المدينة الكبيره عيد قصير النور و الأنعام و الشباب و السرعة الحمقاء و الشراب عيد قصير شيئا .. فشيئا .. يسكت النغم و يهدأ الرقص و تتعب القدم و تكنس الرياح كلّ مائدة فتسقط الزهور و ترفع الأحزان في أعماقنا رؤسها الصغيره و ننثني إلى الطريق صفّان من مسارج مضبّبه كأنّها عندان قرية مخربه تنام تحتها الظلال وقد تمرّ مركبة ترمي علينا بعض عطرها السجين و ساعة الميدان من بعيد دقاتها ترثي المساء و تلتوي أمامنا مفارق ثلاثة ، تمتدّ في بطن الظلام و السكون و تهمسون : " إلى اللّقاء ! " *** اللّيل وحده يهون وداعه يهون فالنهار ذو عيون ، تجمّع العقد الذي انفرط لكنّ دربنا طويل و ربّما جزناه أشهرا و أشهرا معا لكنّنا يوما سنرفع الشراع كلّ إلى سبيل فطهّروا بالحبّ ساعة الوداع ! |
24/12/2007 | #9 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
قصّة الأميرة و الفتى الذي يكلّم الماء
أعرفها ، و أعرفه تلك التي مضت ، و لم تقل له الوداع ، لم تشأ و ذلك الذي على إبائه اتّكأ يجاهد الحنين يوقفه كان الحنين يحرفه فهو أنا و أنت ، و الذين يحفرون تحت حائط سميك لتصبح الحياه عشّ حبّ به رغيف واحد ، و طفلة ضحوك ! *** أعرفها ، و أعرفه أميرة شرقيّة تهوى الغناء تهواه لا تحترفه و تعشق اللّيالي الماسيّة الضياء - صاحبة السمو أقبلت ! ... و يصبح البهو المليء ضفتين و تهمس الشفاه كلمتين .. كلمتين - عشقتها هذا المساء شاعر أنيق - نعم ... فإنّها تضيق بالعشيق إذا أتى الصباح و هو في ذراعها و تهمس امرأة - دولابها يضمّ ألف ثوب و تهمس امرأه - و قلبها يضمّ ألف حبّ - نعم نعم ... فانهات أميره لا تكتفي بحب و يخفت الحديث ثمّ يهتف المضيف - يا أصدقاء صاحبة السمو تبدأ الغناء ! ... و يخفت الضياء غير كوّة تنير وجهها و تبدأ الغناء ... " أوف ! " " قلبي على طفل بجانب الجدار لا يملك الرغيف ! " .. و تلهث الأكفّ .. فلتحيا نصيرة الجياع ثمّ تدور عينها لتلمح الذي أصابه الكلام و عندما يرفّ نور الشمس تهمس " الوداع " و في ذراعها عشيقها الجديد ! *** أعرفها ، و أعرفه لأنّني كنت كثيرا ما اصادفه على شجيرة المساء ، قابعا بنصف ثوب يقول للمساء " يا أيّها الحزن الأثيري الرحيب ! يا صاحب الغريب أنا كلام الأرض .. هل أنصت لي ؟ ! أنا ملايين العيون ... هل نظرت لي ؟ ! لي مطلب صغير أن تصبح الحياة عش حب به رغيف واحد و طفلة ضحوك ! " ... و في ليالي الخوف طالما رأيته يجول في الطريق يستقبل الفارّين من وجه الظلام و يوقد الشموع من كلامه الوديع ففي كلامه ضياء شمعة لا تنطفيء و يترك اليدين تمشيان بالدعاء ، على الرؤوس و الوجوه و تمسحان ما يسيل من دموع " الصبح في الطريق يا أصدقائي ! انّني أراه فلا تخافوا ... بعد عام يقبل الضياء ! " و عندما يمشون تمشي فوق خدّيه الدموع و يفلت الكلام منه ، يفلت الكلام " هل يقبل الضياء حقّا بعد عام ؟ " *** ذات مساء كان صاحبي يكلّم المساء فانساب مقطع مع الرياح ثمّ وشوش الأميره فقرّبت مرآتها و صفّقت " يا أيّها الغلام ! بجانب القصر فتى يخاطب الظلام اذهب اليه ، قل له سيّدتي تريد أن تكلّمك و لا تقل _ أميرتي " ... ثمّ تهادت نحو شرفة جدرانها زهور ورددت في الصمت " أوف ! " قلبي على طفل بجانب الجدار لا يملك الرغيف ! " و أقبل الغلام يسبق الفتى - أميرتي .. سيّدتي ... أتيت به ! - " أهلا و سهلا .... ليلتنا سعيده ادخل ... تفضّل ".. و انقضى المساء ! .. و في الصباح ساءلته ... " ما الذي رأيت ؟ " _ " سيّدتي .. إنّي رأيت كلّ خير " " سيّدتي ... أنا سعيده ! " قالت له ، و عينها في عينه المسهّده - " أراك قد عشقتنا ! " فلم يردّ صاحبي قالت له : " فما الذي تعطيه لي لو أنّنا عشنا معا ! ؟ فدمّعا ثمّ أجابها و صوته منغّم حزين سيّدتي ... أنا فتى فقير لا أملك الماس و لا الحرير و أنت في غنى عمّا تضمّ أشهر البحار من لآل فقلبك الكبير جوهرة جوهرة نادرة في تاج عصرنا و لو قضيت عمري الطويل أقطع البحار ، و أنشر القلاع ، و أبسط الشباك ، أقبض الشباك لما وجدت مثلها لكنّني و جدتها هنا وجدتها لمّا سمعت لحنك المنساب كالخرير يبكي لطفل نام جائعا ! " .. فابتسمت قائلة : " لا أنت شاعر كبير ! يا سيّدي أنا بحاجة إلى أمير إلى أمير ! " و انسدّ في السكون باب !! *** أعرفها ، أعرفه تلك التي مضت و لم تقل له الوداع .. لم تشأ و ذلك الذي على إبائه اتّكأ يجاهد الحنين يوقفه كان الحنين يجرفه !! ----------- ( ابريل 1957) |
24/12/2007 | #10 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
حب في الظلام
أحبّك ؟ عيني تقول أحبّك ورنّة صوتي تقول ، وصمتي الطويل وكل الرفاق الذين رأوني ، قالوا .. أحب ! وانت إلى الآن لا تعلمين ! *** أحبّك .. حين أزفّ ابتسامي ، كعابر درب ، يمر لأول مره وحين أسلّم ، ثم أمر سريعا ، لأدخل حجره وحين تقولين لي .. إرو شعرا فأرويه لا أتلفت ، خوف لقاء العيون فإن لقاء العيون على الشعر ، يفتح بابا لطير سجين أخاف عليه إذا صار حرا ، أخاف عليه إذا حطّ فوق يديك ، فأقصيته عنهما ! *** ولكنني في المساء أبوح أسير على ردهات السكينه وأفتح أبواب صدري ، وأطلق طيري ، أناجي ضياء المدينه إذا ما تراقص تحت الجسور أقول له .. يا ضياء ، ارو قلبي فإني أحب ! أقول له .. يا أنيس المراكب والراحلين أجب لماذا يسير المحب وحيدا ؟ لماذا تظل ذراعي تضرب في الشجيرات بغير ذراع ؟! ويبهرني الضوء والظل حتى ، أحس كأني بعض ظلال ، وبعض ضياء أحس كأن المدينة تدخل قلبي كأن كلاما يقال ، وناسا يسيرون جنبي فاحكي لهم عن حبيبي *** حبيبي من الريف جاء كما جئت يوما ، حبيبي جاء وألقت بنا الريح في الشطّ جوعى عرايا فأطعمته قطعة من فؤادي ، ومشّطت شعره، جعلت عيوني مرايا وألبسته حلما ذهبيا ، وقلنا نسير ، فخير الحياة كثير ويأخذ دربا ، وآخذ دربا ، ولكننا في المسا نتلاقى فانظر وجه حبيبي ، ولا أتكلم *** حبيبي من الريف جاء واحكي لهم عنك حتى ، ينام على الغرب وجه القمر ويستوطن الريح قلب الشجر وحين أعود ، أقول لنفسي غدا سأقول لها كل شيء ! ----------- مايو ـ 1957م |
24/12/2007 | #11 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
أنا .. والمدينة
هذا أنا ، وهذه مدينتي ، عند انتصاف الليل رحابة الميدان ، والجدران تل تبين ثم تختفي وراء تلّ وريقة في الريح دارت ، ثم حطت ، ثم ضاعت في الدروب ، ظل يذوب يمتد ظل وعين مصباح فضولي ممل دست على شعاعه لّما مررت وجاش وجداني بمقطع حزين بدأته ، ثم سكت من أنت يا .. من أنت ؟ الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي لقد طردت اليوم من غرفتي وصرت ضائعا بدون اسم هذا أنا ، وهذه مدينتي ! ------------ ( يونيو ـ 1957م ) |
24/12/2007 | #12 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
بغداد والموت
من قبل أن يذبح ، كان ميتا يبكي ببغداد زمانا ميّتا يبحث عن حجابه عن شاعر ببابه ، يسمعه .. أنت الفتى فلا يرى إلا عيونا من لظىّ تملأ جوف القصر رعبا صامتا إلا قتيلا ، لم يمت ، ولم يزل يسأل بغداد .. متى الثأر ، متى ؟ بغداد درب صامت ، وقبّة على ضريح ذبابة في الصيف ، لا يهزها تيّار ريح نهر مضت عليه أعوام طوال لم يفض وأغنيات محزنه ، الحزن فيها راكد ، لا ينتفض ! وميّت ، هيكل إنسان قديم ، سيف على صدر الجدار ، خنجر من النضار ، أردية ملوّنه ، غطّت ضلوعا من هشيم ! وامرأة تغلق في وجه المساء بابها نبكي على أخشابه أحبابها وأوجه منقبات ، لا تبوح بغداد سور ، ما له باب بغداد تحت السطح سرداب الفجر فيه ، في سواد أحرف على الورق والشمس فيه ، واستدارة الأفق وشمعة تراقصت من حولها سود الظلال وسبعة من الرجال جباههم مجرى عرق وجوههم معتمات لا تبوح عيونهم لا تستريح تنفذ في السرداب ، تعلو .. حيث بغداد تنوح تمشي على نقش قديم في الخشب (( عاش العرب))! . . . . . . . وأزّ في نهاية السرداب باب وشدت العيون نحوه ، كأنها حراب صدى خطى ، أفسد وقعها الكلال القلب دق (( النسر حط في دمشق )) (( عدنان طير لا ينال )) ! *** من قاع حفرتي أغني ، يا أوائل النهار أحلم كالبذور في الثرى بعيد الاخضرار وكلما يئست من بعثي ، ومن صدق المدار ندى ثراي دمع بغداد الانتظار *** من قاع حفرتي رأيت الشمس تأتي كلّ يوم تأتي ، ولا ترحم نائما سعيدا طيّ حلم تأتي ، ولو لم يدعها كف ، ولم يصل فم تأتي ، فكم طفل مشى ، وكم طوى الثرى هرم من قاع حفرتي ، سمعت قصتي تطوي البلاد كالطائر الليلي تبكيني ، وتبذر السهاد بغداد ! طفلك القتيل ساهر تحت الرماد منتظر أن تكتبي بالفأس تاريخ المعاد! *** الموت ليس أن توارى في الثرى ولا الحياة أن تسير فوقه الزرع يبدأ الحياة في الثرى ويبدأ الموت إذا ما شقّه فامنح هواك للذي يحيا ، وأعط للتراب ما استباحوا خنقه فلن تموت يا مسيح ! إنما على الصليب ينتهي من دّقة ! *** بغداد طفلها على باب الدفاع لم يغتمض جفناه ، لم يسكن بجنبه ذراع مرتفع ، وثائر الشعر ، وطلول الجراح كأنه يخطب في جنوده يوم الصراع كأنه ما زال هاربا يعاكس الرياح يا .. يا صلاح ! يا .. يا صلاح ! أطفال بغداد بجانب الجدار يهمسون رد علينا ! ان صمتك الطويل ، يقطع الصبر الجميل رد علينا ! ما الذي فعلت في عام الرحيل يا قائد الثوار ! يا حيران بالحلم النبيل ! هل يجمع العرب الشتات ؟ هل يدفنون قاتلا ، من قبل أن يموت .. مات ؟! يا .. يا صلاح ! إلى اللقاء ، لن نقول .. الوداع ! *** بغداد ليل ما به نجم بغداد فجر لاهب جهم يا أهل بغداد اخرجوا .. لا تتركوه ! بغداد أرض قلب المحراث في دروبها ، فأنبتت مليون ساق تزاحمت ، والنوم في عيونها ، وفي ثيابها روائح الزقاق تزاحمت ، ما ويله عبد الإله ، من ثورة القتلى ، ومن ثأر الحياه ! الميّت المسكين يرمي الموت في وجه الجنود يبحث عن باب النجاه لا تتركوه ! لا تتركوه ! لا ترجعوا من قصره سود الودوه سدوا عيونه التي أغلقها دون الصباح شلّوا يمينه التي كم حفرت حمر الجراح يا .. يا صلاح باسم جديد عدت يا شعب العراق يا أيها الطفل القتيل ، قد بعثت من جديد يا أهل بغداد اخرجوا .. اليوم عيد عدوكم ظلّ على باب الدفاع ظلّ بلا ملامح ، بلا ذراع ظلّ تعانقه الطيور ، فادفنوه ! ------ ( سبتمبر ـ 195 |
24/12/2007 | #13 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
حلم ليلة فارغة
أيتها المقاعد الصامته .. تحركي .. ليلتنا جديدة ، لا تشبه الليالي الفائته ليلتنا واسعة مضيئة وهذه الجدران تراجعت لنجمة تدور لريح صيف ، أقبلت بشهقة الزهور أحس أن .. زائرا ما ، يقطع الطريق لي .. وبعد ساعة ، إن لم يجيء سأترك المكان بالأمس طائر الغرام زارني ، جناحه أخضر أليس حقا ما أقول ؟ جناحه أخضر ، وبالندى ، جناحه مبلول ! أليس حقا ما أقول ؟ هنا وقف ، دار على منازل الحي ، ودار وانعطف تابعته .. كان فؤادي يرتجف حتى وقف هنا على الغصن الذي يميل نحونا وبعد أن مرغ في الأنسام منقاره واسترجع السر الذي يود إسراره قال بصوت ، سره أني الوحيد سامعه (( يا أيها السعيد عندي كلام لك ، حملته من منزل بعيد سيدتي .. صبية ، تسقي الزهور بالنهار وفي المساء تستريح في جوارها وجامعوا الثمار حين يتعبون ، يهوون في ظلّ الجدار ألم تمرّ من هناك ؟ قلت .. بلى ، أمر مرتين ، في الضحى ، وفي الغروب ! قال .. رأتك سيدي ، يا أيها السعيد وابتسمت ، فنهل لمحت ثغرها الجميل يبتسم ؟ قلت .. نعم ! قال .. أقول والكلام سر ؟! قلت .. تكلم ، انني وحيد مالي صديق ، غير هذه الكتب قال .. انتظر غدا !! *** وبعد صمت لم يطل الطائر الأخضر طار الغصن ما زال بسحره يميل كأنه ما غادر الغصن ، ولا أختفى كأن نجمة خفيّة تدور كأنني أحسّ رحلة العصير وهو يسير في شرايين الزهر كأنني شجيرة من الشجر مرّت بها الامطار فسار في أعماقها حلم الثمر وانحلّت الأسرار بعد طفولة طويلة ، بعد انتظار ! *** أيتها المقاعد الصامته ما زلت صامته ! ما زالت الكتب ، تلا على الرفوف ، قاحلا بلا زهور ! العالم الجميل فيها ، كومة من السطور ! الليل فيها ، ميت بلا شعور ! لكننا نقطعه بها ، وعندما نملّها ، تأتي الطيور في المنام هامسة .. غدا ، غدا ! لكنّ صبحا ينقضي ، ويقبل المساء ولا ندى . ولا لقاء !! عبد الناصر يوليو 1956 فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا أمر تحت قوس نصر مع الجماهير التي تعانق السّنى تشد شعر الشمس ، تلمس السماء كأنها أسراب طير تفتّحت أمامها نوافذ الضياء *** فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا أزاحم الجموع أخوض بحرا أسمر المياه أخوض بحرا من جباه بحر الحياة ـ ما أشد عمقه ! ـ بحر الحياه طوفانه يا شعراء سيد مهيب يمضي فتنحني السدود ويفتح الضياء ألف كوة عليه ويطلق البوق النحاسي النشيد *** فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا أشاهد الزعيم يجمع العرب . ويهتف (( الحرية .. العدالة .. السلام فتلمع الدموع في مقاطع الكلام وتختفي وراءه الحوائط الحجر حتى العمودان الرخاميان يضمران ، والشرفات تختفي ، وتمحي تعرّجات الزخرف ليظهر الإنسان فوق قمة المكان ، ويفتح الكوى لصحبنا يا شعراء يا مؤرخي الزمان فلتكتبوا عن شاعر كان هنا في عهد عبد الناصر العظيم !! ----------- (نوفمبر 1957) |
24/12/2007 | #14 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
ميلاد الكلمات
كلمة ! اخضرت في قلب الظلمه وأضاءت أرواح الشعراء كلمه ! زرعتها شفتي ذات مساء أحببت العالم ذات مساء ، مخنوق الأضواء لما كان الشارع ليلا ، عرشا للحراس وعلى البعد مدافن ، كانت تطوي خطو الناس والكلب يفتش عن لقمه ، وأنا أبحث تحت الشرفات عن البسمه ! لم يعثر ، وأنا لم أعثر ، فرجعنا ! نبح الكلب ، وضمّتنا الطرقات واجهنا الجدران الجهمه واجهنا أسوارا .. أسلاكا ، واجهنا أشواكا ، ورأيت أسيرا ، قسماتي ، قسماتك في وجهه قسمات الكل ارتسمت في وجهه ومشت أحذية الحراس ، كمطارق تملأ إحساسي تدفعني في قلب الظلمه تدفعني حتى انهرت ، ركعت تحت النجمه قبّلت الأرض ، وتمتمت حروفا يا أرض استمعي لحروفي حرفا ، حرفا .. زرعت شفتي الكلمه ورواها دمعي ، فاخضرّت حرفا ، حرفا ورأيت البرعم يبزغ مرتجفا كتبت أوراق البرعم ما تمتمت بأذن الأرض كلمة (( إنسان ))! يا للروعه! الكلمة تنمو بالدمعه وأخذت الكلمة جنب القلب قربت الكلمة من شوقي ، شوق الإنسان إلى الخضرة والحب ! ونما حرف ، عانق حرفا ، كتب (( الجنّه !)) *** الكلمة تنمو بالدمعه فليسحقني الألم إذا الكلمة عطشت كي أسقيها بدل الدمعة عشر دموع وليزرعها كل شقي مثلي ، عرف الجوع ، وعذابات الحب الخاسر ولتمتد جذور الكلمة نحو قرانا ، نحو قرانا ذات الدمع الوافر كي تورق في القلب قرانا تلك الكلمات وليقرأها الرجل الطيب ولتنضج ، ولتصبح رايات تتقدم خطوات الإنسان ، ليقيم على الأرض الجنه ! --------- سبتمبر 1957 |
24/12/2007 | #15 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
مذبحة القلعة
الدجى يحضن أسوار المدينة و سحابات رزينه خرقتها مئذنة .... و رياح واهنة ورذاذ ، و بقايا من شتاء *** .... و تلاشى الصمت في وقع حوافر و ترامى الصوت من تلّ لآخر في المقطّم و بدا في الظلمة الدكناء فارس يتقدّم .. ! و بدا في البرج حارس و جهة في المشغل الراقص أقتم متجهّم ! ثمّ نّت في فراغ البرج صيحه ثمّ دار الباب في صوت شديد باب قلعة فيه آثار و ماء و صدأ و اختفى الفارس في أنحائها ، صاعدا يحمل " للباشا " النبأ " المماليك جميعا في المدينة ! " *** ثمّ يمتدّ السكون ، و الدجى يحضن أسوار المدينة و سحابات رزينه خرقتها مئذنه ... و رياح واهنة تتلوّى في تجاويف الحواري حيث ما زال المنادي ، يتلوّى في الحواري ، راجفا في الصمت .. " يا أهل المدينة : في البكور سوف يمضي جيش " طزسن " ابن والينا الكبير للحجاز لقتال الكافرين الخارجين عن موالاة أمير المؤمنين ساكن البسفور ، حامي الأستانه وطلول شركسية ودمن .. ضيعت أنسابها أيدي الزمن وعفن ، وبيوت ، وصخور ، وتراب نام فيها الجوع واسترخى الذباب وصلاة خافته وكلاب ، وفراخ ميّته والحواري ساكته غير شحاذ يغني للقلوب المؤمنه ورياح واهنه تتلوّى في الحواري الحجريه ثم تمضي في دروب الأزبكيه في مياه البركة الخضراء تهوي حيث يبدو قصر مملوك جميل روع الافرنج في يوم طويل عندما شدوا الخيول لتبول فوق صحن الأزهر المعمور ! لا كانت تعود عندما شدوا الخيول وأمين بك آه هذا الفارس الشهم النبيل قال : (( هيا يا جنود الله يا أهل المدينه أنا منكم ودمي من قمحكم، وجراحي قطرة من جرحكم، وقراكم موطني . اني غريب قد رعاني ذلك الوادي الخصيب فانهضوا وامضوا معي نغسل العار يكأس مترع من دمائي ودماكم !)) آه .. ما أروع أصوات الجموع عندما سارت اليه كالدموع (( يا أمين بك ! أنت منا وتربيت هنا ! وانبرى بائع أثواب قديمه قائلا (( هيا بنا !)) .. أوه .. لا كانت تعود ! الدجى ما زال يجتاح المدينه ونباح من بعيد ، وزعيق الحارس المقرور يدوي ورياح الليل تمضي بالهشيم ، حيث يهوي . في مياه البركة الخضراء يهوي ونباح من بعيد ، من بعد يختفي . في الصباح الراجف وتدق الشمس ابواب المدينه (( يا كريم .. )) |
24/12/2007 | #16 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
قالها السّقا على بيت قديم
ويموج السوق بالذكر الحكيم ويحيّي الناس درويش صبوح تحت يمناه تدّلت مبخره تنفخ السوق غيوما عاطره ثم يمضي ويصيح (( يا كريم ! )) ومشت في المشربيّات العتاق ضحكات ناعمات لجوار حالمات بحرير ، وعطور ، وانطلاق وضجيج ونكات . كل لمحه كل صيحه ولو الصيحة فرحه خلفها حزن عريق صوت بوق ! ـ (( عسكر الباشا ! )) وينسد الطريق ، بخليط ، من بلاد الأرتاؤوط وبلاد الصرب ، والأتراك .. من كل البلاد ـ (( وسعوا يا ناس للركب ! )) وينسد الطريق ويثيرون الغبار عالم يركب بغله تتهادى في وقار نقلة في إثر نقله تقصد القلعة للمحتفلين والمماليك بدوا فوق الخيول العربيه بالثياب الموصليّه والفراء السيبريّه ببقايا عزّهم .. مثل الشهب يغصبون الابتسام ويدارون الغضب وجموع الناس ترنو وتشير ـ (( آه يا عيني .. لقد أضحوا يتامى مثلنا ! )) ـ (( ما لهم في الأمر شيء مثلنا ! )) وأشار الناس في وجه أمين بك ثم قالوا ، ـ ((ذلك الوجه القمر ذلك الشهم النبيل روّع الافرنج في يوم طويل ! )) *** وتهادى الركب للقلعة هونا يصعد التل إلى القلعة هونا صوت بوق ! ثم رنت في فراغ البرج صيحه ثم دار الباب في صوت شديد باب قلعه ! فيه آثار دماء وصدأ ومضى كل المماليك يغذون الخطى ويثيرون الصدى بين أسوار وابراج رهيبة دخلوا القلعة ثم التفتوا في بعض ريبه فاذا بالباب يرتد هناك !!! واذا صوت الجموع صادر من خلف باب .. من هناك (( اطلقوا ! )) قالها قائد جند الارناؤوط (( اطلقوا !)) فالنار تهوي كالخيوط كالمطر زغردات مستريبه تتردى بين أسوار وأبراج رهيبه (( آه يا نذل لقد خنت … )) ويهوي كالحجر ورصاص كالمطر وجنود الاناؤوط من قريب وبعيد من عل .. من تحت .. أيدي اخطبوط ! تطلق النار ، فكم خرّ حصان ملقيا سيده فوق الدماء فترش السقطة الجدران دم وألم (( آه يا نذل .. )) ويهوي كالحجر والخيول حمحمات وصهيل ترفس الصخر فينطق الشرر والصّخب (( أنت محصور فخذها )) (( لا تفكّر في الهرب)) (( أنت ودعت الحياة! )) ثم يهوون كسنبل تحت منجل (( آه يا ما أصعب الميتة من كف الجبان ! )) وأمين بك جانب السور وفي يمناه سيفه هل يفيد السيف .. آه لن يفيد (( يا مماليك أيا أبهة العصر المجيد قد مضيتم ! )) قالها واغرورقت عيناه بالدمع الوئيد والتقت عيناه في عيني شهيد ثم يعدو بحصانه ، يعتلي السور ويرنو فاذا الأرض بعيد ثم تلقي عينه دمعا على وجه الحصان في حنان (( يا حصاني طر بنا )) وإذا الفارس في السحب عقاب يتهادى شاهرا في الجو سيفه معطيا للشمس أنفه تاركا للريح أطراف الثياب كإله وثني يتمشى في السحاب فاذا ما قارب الأرض قفز والحصان صار أشلاء على ظهر التلال (( قد نجا منهم أمين بك يا رجال !)) قالها الناس على ظهر التلال ومضوا كالدافنين ثم يمتد السكون وحصان يهبط القلعة وحده مطرقا يمضغ في صمت حزين أغنية في الليل اكتوبر ـ 1957 لو أننا تحت المساء زهرتان ، عاريتان ، أحستا بالبرد فجأة ، بنقلة الزمان فاهتزتا ، ومالتا ، حتى تلاقى الشوك والندى ، وغيم الشذى على المكان ! *** الليل يا حبيبتي … أغنية ، دافئة المعان ، رقصة مهرجان ، تجمع ريح الشرق ، والشمال .. في مكان ، تثير في كل حياة شوقها لغيرها ، فتلعق الأرض أصابع الزروع ، وتحبل الرياح ، وينعس المنقار في الجناح ، وينزل المطر ! *** حبيبتي .. ماذا علينا لو رأى القمر ؟ ---------- ( ديسمبر1955) |
24/12/2007 | #17 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
مقتل صبي
الموت في الميدان طنّ الصمت حطّ كالكفن و أقبلت ذبابة خضراء جاءت من المقابر الريفيّة الحزينة ولو لبت جناحها على صبيّ مات في المدينه فما بكت عليه عين ! *** الموت في الميدان طنّ العجلات صفّرت ، توقّفت قالوا : ابن من ؟ و لم يجب أحد فليس يعرف اسمه هنا سواه ! يا ولداه ! قيلت ، و غاب القائل الحزين ، و التفت العيون بالعيون ، و لم يجب أحد فالناس في المدائن الكبرى عدد جاء ولد مات ولد ! الصدر كان قد همد وارتدّ كفّ عضّ في التراب و حملقت عينان في ارتعاب و ظلّتا بغير جفن ! *** قد آن للساق التي تشرّدت أن تستكن ! و عندما ألقوه في سيّارة بيضاء حامت على مكانه المخضوب بالدماء ذبابة خضراء !! --------- ( يناير 195 |
25/12/2007 | #18 |
عضو
-- مستشــــــــــار --
|
هذا المساء يا عزيزتي جميل لا تسأليني إن أتيت في مساء غدْ وفي مساء بعد غدْ ماذا تريد؟ لأنني سأدعي أني نسيت عندكم كتاب أني نسيت علبة الدخانِ ليلةَ الأحد أني، نعم أريد. ما الذي أريد ستلمحين فكريَ الشريد من خلف عيني حائرا يبحث عن جواب وأمضغ الأسى، ولا أردٌ لا توقفيني هكذا، فقد شبعت وقفة بكل باب أسأل عن خبزي، وعن حجبٌِ، ولا جواب غير صدي صوتي يضيع في السكون أرجوكِ قولي لي: استرح! أو: انتظر! وابتسمي ابتسامةَ مشجٌعة لأنني لن أستريَح لو بدا في وجهكِ الضجَر وإنني أراك سوف تفعلين أتذكرين؟ ليلة أن كنٌا نسير، ذات ليلة، وقد تدثٌَر الطريق بالظلام أنا أكاد أذكر الوقت وأذكر الكلام لأنها أوَّل مرة نسير وحدنا وكنت أستطيع أن أقول كجلٌَ شيء لكنني لست من الذين يتقنون صنعة الغرام أنا أكاد أذكر الوقت وأذكر الكلام كنا نسير والطريق مظلم والناس أشباح تمرّ تبدو إذا سيَّارة مرت بهم تمدّ فيهم إصبعين أزرقين من ضياء وتختفي فيختفون! أيامَها كنا نعيش في الظلام كانت سماؤنا بِبومي ينشر الخراب علي بيوتنا التي بنى سقوفَها العرق علي حقولنا التي تخضرّ كل فصل وتفرش الظلال للخرافِ والرعاة وترضع المساءَ قطرة من الندي، وخفقة من الورق أيامها حتى الندي احترق وقلت في نفسي اعطها يدك ففي ليالي الحرب تأمن البنات للرجال وقلت لا، فقد تردّها! لكنني وددت أن يتوه دربنا فلا نري خيال دار ويشربَ الليل الخلودَ كلٌه، فلا يري النهار وكان حراس الطريق والجنود يعبرون وقد تقلصت أكفهم علي السلاح وكنت أطرد الهواجسَ التي تأتي بفكرة ابتسام وربَما لولاك ما فكرت أبتسِم هربت من خواطري كأنني استيقظت من حلم ثم استدرت نحو وجهك الذي يفيض بالجمال والعذاب وقلت: هذا المساء يا عزيزتي جميل الأفق صلبان من الشرر تقاطعت علي الدجى والطلقات تنهش السكون لا تفزعي! لا تفزعي، نحن معا نحن معا نخوض في المنون ولا نموت! أحسست أنني أحب أحسست أن إصبعي يفَتٌِت الصخور وصدري العاري يطيش حوله الرصاص وفي دقيقةِ يصير لي جناح أمشي به علي الرياح إذا شربت جرعة من نبعك النمير أحسست عندما اقتربنا من طريق منزلك أن لياليَ السهادِ والغناءِ أقبلتْ! أني بحاجِة إليك أني أريد، ما الذي أريد هربت من خواطري كأنني استيقظت من حلم ثم التفتح نحو وجهك الذي يفيض بالجمال والعذاب وقلت: هذا المساء يا عزيزتي جميل! مارس 1957
شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ لتكتمل النشوة الصاعدة |
|
|